إذًا هذا الموضع الثاني وهو شبه الاتصال، هذان الموضعان داخلان في قوله: (كَنَفْسِهَا). (إِنْ نُزِّلَتْ ثَانِيَةٌ) يعني: جملة ثانية (مِنْ مَاضِيَه) يعني من الجملة الماضية السابقة. (كَنَفْسِهَا) وهذا ما يُسمى بكمال الاتصال أو شبه كمال الاتصال. يعني أن تكون الثانية بمنزلة التوكيد، أو عطف البيان، أو بدل بأنواعه، أو بمنزلة الجواب. إذًا دخل النوعان في هذه (كَنَفْسِهَا).
(أَوْ نُزِّلَتْ كَالْعَارِيَةْ) وهذا يدخل تحته أمران وهو الموضع الثالث أن يكون بين الجملتين كمال الانقطاع. وصورته أن تختلف الجملتان خبرًا وإنشاءً، الأصل في العطف عند البيانيين أن يُعطف الخبرُ على الخبرِ، والإنشاء على الإنشاء مطلقًا لفظًا ومعنًى؟ لفظًا ومعنًى هذا الأصل، فإن اختلفا في اللفظ والمعنى، أو في المعنى دون اللفظ، أو في اللفظ، في البعض دون المعنى، يعني كانت الأولى خبرية لفظًا إنشائية معنى، وكانت الثانية إنشائية لفظًا خبرية المعنى، حينئذٍ قالوا: هذا حصل فيه اختلاف.
إذًا كمال الانقطاع أن تختلف الجملتان خبرًا وإنشاءً، لفظًا ومعنًى، أو معنًى فقط، أو يفقد الجامع، لا بد من تحقق أمرين.
مثال كمال الانقطاع: مات فلان رحمه الله. هل يصح أن يقال مات فلان ورحمه الله؟ لا يصح، لماذا؟ لكون الأولى خبرًا لفظًا ومعنًى، والثانية خبرٌ لفظًا لا معنًى. لأن رحمه الله عرفنا قبل قليل أنه ثُمَّ قد يقع الخبر موضع الإنشاء، وهنا وقع الخبر موضع الإنشاء رحمه الله بمعنى يرحمه الله. إذًا لما اختلفا في المعنى خبرًا وإنشاءً حينئذٍ وجب الفصل. إذًا مات فلان رحمه الله، أي يرحمه الله. فهو إنشاء معنًى فلا يصح عطفه على مات فلان، لأنه خبر لفظًا ومعنًى.
إذًا هذا الموضع الثالث من المواضع التي يجب فيها الفصل فصل جملة الثانية على الأولى ولا يجوز العطف إذا كان بين الجملتين كمال الانقطاع لأن اختلفتا خبرًا وإنشاءً أو فقد الجامع، وسيأتي فقد الجامع.
الموضع الرابع من مواضع وجوب الفصل: شبه الانقطاع. يعني شبه كمال الانقطاع. بأن يكون عطف الثاني على الأولى موهمًا لعطفها على غيرها. يعني: لو عطفنا لوقع وهم أو فسد المعنى مثاله المشهور عندهم:
وتظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلاً أُرَاهَا في الضلال تهيمُ
تظن سلمى ماذا؟ أنني أبغي بها بدلاً، هذا مظنون سلمى، أُرَاهَا يعني أنا. في الضلال تهيم، ولو عطف أُرَاهَا على أبغي لصار من مظنون سلمى. إذًا العطف هنا يُفسد المعنى، حينئذٍ نقول: يجب الفصل لأننا لو عطفنا أُرَاهَا على أبغي لصار من مظنون سلمى، تظن سلمى ماذا؟ أنني أبغي بها بدلاً، وهل تظن أنني أُرَاهَا في الضلال تهيم؟ الجواب: لا. هذا من مظنون المتكلم الشاعر نفسه، وأما هي فلا. إذًا نقول: فصل أُرَاهَا عن أبغي، لأنه لو عُطِفَ لظُنَّ أنه معطوف على أبغي، وليس مرادًا بل يفسد المعنى. اتضح هذا؟ إذا عَطَفَ هنا صار من مظنون سلمى، تظن سلمى أنني أبغي. إذًا هذا مظنون سلمى، هذا الذي تظنه سلمى. أُرَاهَا في الضلال تهيم. هذا مظنوني أنا، فلو عطفته على أبغي لظُنَّ أنه من مظنون سلمى فسد المعنى.