القسم الخامس: خلاف لم يشتهر عند الأئمة أصلاً، إنما حكي أوجه في المذاهب الأربعة، فإذا قرأت في كتب الفقه تجد عبارة: وهذا وجه في مذهب الشافعي، وهذا وجه في مذهب أحمد، ونحو ذلك.
ومعنى ذلك أنه قول لطائفة من أصحاب الأئمة، وأوجه الأصحاب، وهذه أكثرها محتمل، كما يقول مثلاً صاحب الإنصاف من الحنابلة: "ويحتمل كذا".
أي: أن هذه مسألة لم ينص عليها الأصحاب قبل، فإذا وردت احتمل أن يقال فيها كذا.
وأوجه الأصحاب أو التشقيقات الفقهية المتأخرة، لا ينبغي لطالب العلم أن يكثر التردد عليها، بل ينبغي له أن يعنى بحفظ مسائل الإجماع، ومسائل الخلاف المحفوظة بين الأئمة، وأما مسائل التشقيق المتأخرة فإن الأصحاب قد زادوا فيها في الجملة، وغرضهم في ذلك ضبط المذهب، أو الانتصار لها، وفي الغالب أنها ليست منضبطة كمذاهب للأئمة الأربعة.
مثلاً: الحنابلة طبقات، لكنَّ المتأخرين منهم، معتبر المذهب عندهم ما قرره صاحب الإقناع والمنتهى، وصاحب الإقناع والمنتهى قيد المذهب الحنبلي بقيود كثيرة، حتى إن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يقول: أكثر ما في الإقناع والمنتهى مخالف لمذهب أحمد ونصه.
فمسألة قيود الأصحاب ينبغي ألا تستهلك وقت طالب العلم، إنما يعنى بأقوال الأئمة المنضبطة، وبالخلاف المنضبط؛ لأن أوجه الأصحاب لا تناهي لها، فلو قرأت في التفريعات، كالإنصاف عند الحنابلة مثلاً، أو كتاب روضة الطالبين في فقه الشافعية، تجد أوجه الأصحاب لا تتناحى، وفي الغالب أنها تتعاكس، هذا يقول كذا، وهذا يقول كذا، هل معنى هذا أنها تسقط؟ لا، لكن نقول: هذه مرحلة متأخرة لطالب العلم.