المتكلمون أصحاب النظر العقلي يقسمون كلام الله سبحانه وتعالى إلى ظاهر ومؤول.
فالظاهر: هو ما يظهر من الكلام.
وأما المؤول: فهو المعنى الذي دلَّ عليه حكم العقل، وهذا تناقض؛ لأنه يلزم منه أن الظاهر لم يدل عليه حكم العقل، وهذه مسألة يطول شرحها، لكن يمكن أن نلخصها فنقول: إن هذا التقسيم من جهة الأصل بدعة في الشرع، ثم هو فوق كونه بدعة في الشرع هو ممتنع في العقل؛ لأن المتكلم إذا تكلم بكلام فإنه يريد بكلامه معنىً في نفسه، وهذا في سائر كلام بني آدم -ولله المثل الأعلى- فسائر المتكلمين إذا تكلموا فإنهم يريدون بكلامهم هذا معنىً واحداً، ويمتنع أن يكون أحدهم مريداً لأكثر من حقيقة، ولا سيما إذا كانت الحقائق بينها اختلاف أو تضاد، فمثلاً لو قال شخص: جاء زيد، يمتنع أن يكون أراد في نفس الوقت أنه جاء وأراد أنه لم يجئ، وكما نبه شيخ الإسلام ابن تيمية في أول الرسالة التدمرية: (أن باب الأسماء والصفات يدور بين الإثبات والنفي) أي: أنه باب خبري، ومعنى هذا: أن الخبر القرآني إما أن يراد به إثبات شيء، وإما أن يراد به عدم إثباته، فمثلاً: قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143] إما أن يراد أن الله كلمه، وإما أن يراد عدم ذلك.
إذاً: يمتنع أن المتكلم يتكلم بكلام ويريد به جملة من الحقائق بينها اختلاف وتضاد، وفوق هذا كله تكون هذه الحقائق المتضادة بعضها ظاهر وبعضها يحتاج إلى تأويل، وعليه فهذا التقسيم ممتنع أيضاً من جهة العقل.
بل الصواب عقلاً وشرعاً أن كلام الله سبحانه وتعالى واحد من جهة المعنى، وأن الله أراد به معنىً واحداً.