قال الموفق رحمه الله: [وأهل الجنة مخلدون: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [الزخرف:74] * {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: (يا أهل الجنة! خلود ولا موت، ويا أهل النار! خلود ولا موت)].
هذه المسألة من الأحكام الغيبية التي يجب الإيمان بها من أن الموت يؤتى به في صورة كبش، وهذا من جنس قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أمامة في الصحيح: (تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف) مع أن القرآن -ومنه سورة البقرة- هو كلام الله، فهذا ليس معناه أن كلام الله ينقلب إلى أعيان مخلوقة، فإن كلامه سبحانه وتعالى صفة من صفاته في هذه الدنيا، وإذا قام الناس إلى ربهم سبحانه، فإنه يجيء ثوابهما؛ لأن صفات الله سبحانه وتعالى لها أثر، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بها يتراحم الناس، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأبقى تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة).
فصرح في الحديث بلفظ (الخلق) مع أن رحمة الله صفة من صفاته ليست مخلوقة، وهذه قاعدة أشار إليها شيخ الإسلام، -وإن كانت الرواية الأولى في صحيح مسلم ليس فيها ذكر الخلق، إنما فيها: (إن لله مائة رحمة).
ومنهم من قال بشذوذ رواية (للخلق)، وهذا لا موجب له من جهة المتن، فإن ابن تيمية رحمه الله ذكر قاعدة وهي: "أن الاسم قد يذكر ويراد به الفعل الذي هو الصفة، وقد يذكر الاسم ويراد به المفعول"، وهذا أثر من آثار هذا الاسم، كتسمية المطر من رحمة الله، فهذا أثر عن رحمة الله سبحانه وتعالى.