قال الموفق رحمه الله: [والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، فالجنة مأوى أوليائه، والنار عقاب لأعدائه].
الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن، وغلط من قال من أهل البدع: إنهما تنشآن عند موافاة الناس لربهم، بل الصواب الذي قضت به النصوص وأجمع عليه السلف: أن الجنة والنار مخلوقتان، والنبي عليه الصلاة والسلام أُري ذلك في يقظته ومنامه، وجاء ذكر ذلك في الكتاب والسنة على التفصيل.
ومسألة دوام الجنة أمر مجمع عليه بين السلف إجماعاً قطعياً، ومن شذ فيه فإنما هو من ضلالات وغلو من قد يفرض ضلاله أو شذوذه من أهل البدع.
وأما النار، فإنها دائمة كدوام الجنة، وكان جهم بن صفوان لا يذهب إلى دوامها، وكذلك أبو الهذيل العلاف، وإن كان بين القولين فرق معروف في كتب المتكلمين، فهذان القولان من أقوال أهل البدع.
وهناك قول ثالث انتصر له ابن القيم رحمه الله في كتابه: حادي الأرواح.
لابد لنا أن نعرف أن بين هذه الأقوال اختلافاً بيناً، فأشذها قول الجهم، ثم أقل منه قول أبي الهذيل العلاف، وهذان القولان من أقوال أهل البدع المعروفة، وابن القيم ذكر قولاً نذكره في مسألتين:
المسألة الأولى: أن القول الذي أشار إليه ابن القيم ليس قول أبي الهذيل ولا قول الجهم بن صفوان، ولهذا من رد على ابن القيم رحمه الله وقال: إن قوله هذا هو قول أبي الهذيل وجهم بن صفوان، هذا غلط على ابن القيم وزيادة عليه رحمه الله، والعدل واجب، والإنصاف لازم.
المسألة الثانية: أن ما جمعه ابن القيم في كتابه: (حادي الأرواح) من الآثار والأدلة فيه زيادة، فإن صح فهو اجتهاد من ابن القيم، أن عمر وجماعة من الصحابة وكبار أئمة التابعين كانوا يقولون بهذا القول، وهذا عليه ظواهر النصوص ..
إلى آخره، وافترق عليه السلف ..
والجمع بين الفريقين ..
إلى آخر تعبيرات ابن القيم رحمه الله.
فالمسألة لم تكن بهذا القدر أبداً عند السلف ولهذا لم ينتشر الخلاف فيها في كتب أهل السنة الأولى، ففيه تصوير زائد في المسألة، وإنما هذا قول يسير من أهل العلم فهموا هذا الفهم، وابن القيم مال إليه في هذا الكتاب ميلاً أو مقاربة أكثر منه إلى التصريح، فإنه يُقدم ثم يحجم رحمه الله عن التصريح والجزم.
وفي كتابه: (الوابل الصيب) عندما ذكر هذه المسألة نص على أن مذهب أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ولا تبيدان، وهذا قول مجمل، فهل ابن القيم رحمه الله اعتبر القول الذي ذكره في الوابل وكان متردداً في القول الثاني الذي ذكره في حادي الأرواح؟!
المسألة الثانية: أن ذكر ابن القيم رحمه الله لآثار سلفية، وانقسام أهل السنة ..
إلى آخره، المسألة ليست بهذا القدر، لم ينتشر الخلاف فيها في كتب أهل السنة الأولى ولا بين السلف، إنما ظاهر كلامهم المنقول عنهم -وهو الدوام- كما هو ظاهر كتاب الله وسنة نبيه.
مسألة: هل يقول ابن تيمية رحمه الله بفناء النار؟
كتب شيخ الإسلام رحمه الله ليس فيها ذكر لهذا القول أبداً، وإنما هناك رسالة محققة منسوبة لـ شيخ الإسلام ابن تيمية فيها جزم وتصريح بهذا القول، ونسبتها إليه لا تصح فهو غلط.
وشيخ الإسلام في كتبه نص في مواضع كثيرة على أن الجنة والنار لا تبيدان ولا تفنيان، وذكر أن هذا إجماعاً عند أهل السنة والجماعة، وأن خلافهم من أقوال أهل البدع، وما نطق بحرف واحد في كتبه المعتبرة المضبوطة عنه بأن النار تفنى.
وعلى فرض الجدل أن ابن القيم أو ابن تيمية رحمه الله يقول بفناء النار، فهذا اجتهاد قد انفردا فيه، وفاتهم فيه شيء، وأمره يسير، ولا يكون من المسائل المشكلة على طالب العلم.