قال الموفق رحمه الله: [ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً].
هذا متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في الصحيحين وغيرهما، وقد اتفق أئمة الحديث على أن الناس يحشرون يوم القيامة على هذه الحال، وقوله: (غرلاً) أي: ليسوا مختنين.
قال الموفق رحمه الله: [فيقفون في موقف القيامة].
قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} [إبراهيم:48] فالأرض ستبدل، ولا يمكن أن يقال: هي الشام أو غيرها، وإن كان هناك دلائل على أن أرض الشام لها اختصاص من جهة جمع الناس ليوم الحساب.
قال الموفق رحمه الله: [حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويحاسبهم الله تبارك وتعالى].
هذا مقام الشفاعة العظمى، وقد أجمع المسلمون على ثبوتها من أهل السنة وأهل البدعة، ولم يخالف فيها أحد، وهذه الشفاعة هي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف أن يقضي ويفصل الحساب بينهم، وقد تواترت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وحديثها في الصحيحين وغيرهما من رواية جماعة من الصحابة كـ أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بلحم، فرفع إليه الذراع فكانت تعجبه، فنهس منها نهسةً، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون لم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ ألا ترون إلى ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم؟
فيأتون آدم فيعتذر عن الشفاعة، فيأتون نوحاً فيعتذر، فيأتون إبراهيم فيعتذر، فيأتون موسى فيعتذر، فيأتون عيسى فيعتذر، ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، قال: فأنطلق، فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي، ثم قال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي أمتي.
فيقال: أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب، والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى)، وهذا الحديث له طرق في الصحيحين وغيرهما.
والشفاعة العظمى دل عليها ظاهر القرآن كما في قوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79] فإن المقام المحمود في تفسير السلف هو شفاعته صلى الله عليه وسلم.