المسألة الأولى: ارتباط القدر بصفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله: فإن أمور القدر مرتبطة بأسماء الله عز وجل وبصفاته وأفعاله، من حيث إن الله عز وجل بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، وأنه سبحانه فعال لما يريد، وأنه سبحانه بيده مقاليد السماوات والأرض، وأنه عز وجل الخالق البارئ المصور، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه، وأنه يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وأنه سبحانه بيده الملك إلى آخر الأسماء والأفعال والصفات التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالقدر.
لذلك أشار الشيخ رحمه الله إلى ارتباط القدر بالأفعال وبالصفات، فقال: (ومن صفات الله عز وجل أنه الفعال لما يريد).
وهذه القاعدة مفرق طريق بين أهل السنة وبين كثير من أهل الأهواء والبدع من أهل الكلام، خاصة الذين ورثوا قواعد الجهمية والمعتزلة من أهل الكلام المنتسبين للأشاعرة والماتريدية، فإن عامة تأويلاتهم التي خالفوا فيها السلف مبنية على إنكارهم لأفعال الله عز وجل، ذلك أنهم يزعمون أن الله عز وجل لا يحدث منه فعل، وكل صفاته وأسمائه أزلية، غير قابلة للحدوث ولا التجدد، فلذلك أنكروا كل شيء يدل على الأفعال، وسموها بأسماء موهمة وملبسة، كأن يقولوا: حلول الحوادث به، أو حلول الأفعال به، أو نحو ذلك من الأمور التي تلبس على طلاب العلم، فيظنون أن قولهم حق، وما علموا أن الله عز وجل ليس كمثله شيء، وأنه سبحانه فعال لما يريد، وأن أفعاله مرتبطة بمشيئته، وهذا هو الفرق بين فهم السلف المرتبطة بالنصوص، وفهم الخلف المرتبط بالقواعد الفلسفية، فالسلف يربطون أفعال الله عز وجل بمشيئته، فما شاء الله عز وجل كان وما شاء لم يكن، وأنه فعال لما يريد.
أما أولئك فإنهم لا يربطون الأفعال بالمشيئة، بمعنى أنهم ينكرون أنه يكون لله عز وجل مشيئة تتعدى إلى الأفعال، إنما يجعلون المشيئة مشيئة أزلية لا تجدد فيها ولا حدوث، ويقولون إن الله عز وجل فعله خلقه في أفعاله، وهذا مصدر الضلالة عندهم.
السلف لا ينكرون أن الله عز وجل يخلق في خلقه ما يشاء، فيكون هذا الخلق من فعل الله، لكنهم يقولون إن لله عز وجل إرادة ترتبط بالمشيئة، ومشيئة ترتبط بالأفعال، والعكس كذلك، أفعال الله ترتبط بالمشيئة، والمشيئة ترتبط بالإرادة، والمشيئة ترادف الإرادة كما هو معروف، فعلى هذا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، بما في ذلك أفعاله التي تتعلق بذاته سبحانه وبصفاته وأسمائه، كاستوائه على العرش، ونزوله، ومجيئه، وسخطه، ورحمته، وغضبه، ونحو ذلك، كلها مرتبطة بمشيئة الله، وأن الله فعال لما يريد، ليس فقط لأفعال العباد بل لأفعاله سبحانه.
هذه المسألة الأولى.