قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه؛ أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف].
كل ذلك تفصيل لمعنى أنه كلام الله، وأنه حروف، وكل ذلك رد على الذين زعموا أن القرآن من حيث هو كلام الله عز وجل، لكنه بزعمهم معنىً قائم بالذات، أي: كلام نفسي، ويقصدون بذلك أنه لم يتكلم الله به على هذا النحو الذي نتلوه، إنما ألقاه الله إلى جبريل، أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أو إلى أحد من خلقه معاني، ثم جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم ترجم هذه المعاني إلى الحروف والأصوات.
فأراد الشارح أن يذكر مذهب السلف أن من أنكر حرفاً من هذا الكلام فقد كفر، ولو كانت الحروف من صنع المخلوقات؛ لما كان إنكارها كفراً ما دام المعنى ملتزماً، ومؤمَناً به، لكن ما دام الكلام كلام الله بحروفه؛ فإن هذا يعني أن من أنكر حرفاً، ولو لم يؤد هذا الحرف إلى إنكار المعنى من أنكر حرفاً مقطوعاً بوجوده في القرآن؛ فإنه بذلك يكفر.
أما قوله: (اتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه)؛ فهذا إشارة إلى أن القرآن يتكون من سور عديدة، ومن آيات عديدة وكلمات عديدة وحروف عديدة، ولا يعني أنهم اتفقوا على عدد اتفقوا على تفصيل العدد، لكنه يقصد أن القرآن آيات عديدة جداً، وأن القرآن كلمات وسور وحروف، أما عد السور فالمشهور والراجح أن عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، على اعتبار أن سورة الأنفال سورة والتوبة سورة، أما على اعتبار أنهما سورة واحدة؛ فتكون السور مائة وثلاث عشرة سورة.
أما الآيات فقد اختلف فيها، لكن أجمعوا -أي: السلف- على أن القرآن ستة آلاف آية ويزيد، إنما اختلفوا في الزيادة، وليس سبب اختلافهم اختلافهم في ذات القرآن، سبب اختلافهم في العدد بعد الستة آلاف في مفهوم الآية وما يدخل في الآيات وما لا يدخل فيها، فمثلاً: بعضهم أدخل {بسم الله الرحمن الرحيم} آية من كل سورة فزاد عنده العدد، وبعضهم عدها آية في الفاتحة ولم يعدها في بقية السور، وبعضهم عدها آية في سائر القرآن ولم يعدها في سورة (براءة)، وهكذا.
وبعضهم جعل الكلمة الواحدة ليست آية مثل قوله عز وجل: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:64].
فمن هنا اختلف العدد اختلافات كثيرة، من أشهرها: قول من قال: إن القرآن ستة آلاف ومائتان وأربع عشرة آية.
ومنهم من قال: مائتان وست عشرة آية بعد الستة آلاف.
ومنهم من قال: ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، أو أربع وثلاثون آية، أو خمس وعشرون آية، أو تسع عشرة آية، أو ستة آلاف ومائتان وأربع آيات؛ كل ذلك ذكره أهل العلم كـ السيوطي وابن كثير وغيرهم.
كذلك كلمات القرآن اختلفوا في عددها بناء على اختلافهم في مفهوم الكلمة، وهل بعض الحروف أو بعض الآيات تعد كلمة، والجمل هل تعد كلمات، أو كل مقطع من الجملة يعد كلمة.
كذلك الحروف، وقد عدَّ بعضهم الحروف بثلاثمائة وثلاثة وعشرين ألفاً وستمائة وواحد وسبعين حرفاً، على اختلاف فيما يدخل في الحروف وما يخرج، كما ذكرت سابقاً.
إذاً: قول المؤلف إنهم اتفقوا على عد السور، يقصد به أنها متعددة، وأن الآيات متعددة والكلمات متعددة وكلها كلام الله، هذا معنى قوله.
وهذا -كما أسلفت- فيه إشارة إلى الذين قالوا: إن الكلام -أي: كلام الله- إنما هو المعاني، أما السور والآيات والكلمات والحروف فهي من اجتهادات البشر، ومن صنعهم، ومما اتفقوا عليه.
حتى الذين وافقوا إجماع الأمة على السور والآيات والكلمات والحروف من المتكلمين؛ جعلوا ذلك يرجع إلى فعل البشر، وأن الأصل الذي هو كلام الله ما هو إلا معنى، أما هذه الحروف المكتوبة المنطوقة، وهذه الكلمات المكتوبة المنطوقة فزعموا أنها مخلوقة، فمن هنا وقعوا في شر ما هربوا منه، أي: حينما هربوا من قول المعتزلة بأنه مخلوق، ذلك بأن المعتزلة كانوا أشجع منهم وأكثر صراحة، فبينوا عقيدتهم الفاسدة بدون مواربة، أما هؤلاء فلفقوا ولبسوا على المسلمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.