ثم قال: (برهم وفاجرهم).
أي سواء كان هذا الإمام براً أي تقياً صالحاً، أو فاجراً أي مسلماً فاجراً، وهذا التفصيل جاء في أحاديث كثيرة صحيحة بعضها في الصحيحين وبعضها في غير الصحيحين، وكلها تأمر بالسمع والطاعة حتى للظالم الفاجر العاصي، والذي يُنكر منه ما يُنكر فإنه لا بد من السمع والطاعة له في المعروف ما لم يأمر بمعصية، أما ما يأمر به من معصية الله عز وجل فلا يُسمع له ولا يطاع.
أما ما يفهمه بعض قليلي الفقه من أن كل من ارتكب معصية من الولاة فلا يُسمع له ولا يُطاع مطلقاً حتى في الطاعة فهذا فهم منكوس، وهو فهم الخوارج والمعتزلة وفهم سائر أهل الأهواء، فإن الطاعة تبقى بالمعروف والمعصية إنما تكون فيما يُنكر فقط، بمعنى أنه إذا أمر بمعصية لا تنخرم طاعته في كل شيء، بل فيما أمر به مما يخالف أمر الله.
وهذا كما هو معروف مبني على المصالح العظمى للمسلمين، فالمصالح العظمى للمسلمين تقتضي ضرورة السمع والطاعة بالمعروف حتى وإن رأى المسلمون معاصي وفجوراً، فإنهم لا يجوز أن يخلوا بمبدأ السمع والطاعة ولا يخلوا بالبيعة، لكنهم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف، وينصحون لولي الأمر فإن ظهر منه معصية فإنها تُنكر بالطرق الشرعية المعروفة وحسب قواعد الشرع المعروفة.
والمعاصي تتفاوت فإن السمع والطاعة بالمعروف لا يعني ترك إنكار المنكر كما يفهم بعض الناس، فهذا أيضاً فهم معكوس كفهم من ظن أن من عصى لا يُطاع مطلقاً، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، وإن كان خليفة أو سلطاناً أو أميراً أو والياً أو ملكاً، لكن لا تنزع منه يد الطاعة.