Q ما القول الفصل في متقدمي ومتأخري الأشاعرة، وما أصابهم من خلط، نريد جواباً شافياً كافياً؟
صلى الله عليه وسلم متقدمو الأشاعرة إذا قُصد بهم من قبل البغدادي والشهرستاني والجويني فهم في الجملة أقرب إلى السنة، وأغلبهم أهل سنة وأهل حديث لكن وقعوا في بعض التأويلات التي قل أن يسلم منها من يتعلم علم الكلام أو يبدأ به أو يتتلمذ على المتكلمين وإن كان صاحب سنة.
فمن بدأ حياته بكتب المتكلمين وما أشبهها من كتب التاريخ وكتب الفرق وكتب الأدب، فإنه لا يسلم في الغالب إلا النادر، والنادر لا حكم له، وكذلك من تلقى العلم في أول علمه وأول طلبه على غير أهل الاستقامة ففي الغالب أنه لا يسلم من الهفوات، وهذه قاعدة لا يستثنى منها إلا النادر والنادر لا حكم له.
فإذاً الأئمة الكبار الأوائل من أئمة الأشاعرة كالإمام أبي الحسن الأشعري الذي تابع الكلابية في بعض المسائل بعد رجوعه إلى السنة، وتلميذه الطبري وليس المقصود بالطبري أبا جعفر الإمام، بل طبري آخر أظنه أبو الحسين وكـ البيهقي وابن فورك والباقلاني هؤلاء أئمة لهم اعتبارهم وإن كانوا يتفاوتون أيضاً، ولهم فضلهم وعلمهم وأغلب ما وقعوا فيه تابعوا فيه غيرهم ممن وقعوا في التأويل على غير قواعد، إنما نقلوه عن بعض الجهمية على سبيل الإعجاب بهذا الأسلوب، وظناً منهم أنه تنزيه لله عز وجل، وقد كان ابن الثلجي من أهل الحديث ثم أخذ ببعض تأويلات المريسي ولم يكن جهمياً خالصاً لكنه وقع في ذلك، ثم سار كثير من الكلابية والأشاعرة على نهج ابن الثلجي بسبب التمذهب أولاً لأن الأوائل منهم كلهم أحناف، ومنهم بعض الشافعية، هؤلاء الأئمة فيهم خير كثير، ومن الصعب أن نحكم عليهم بأنهم من الأشاعرة بالمعنى الجديد حينما ظهر أشاعرة المتكلمين، فنقول: إنهم أخطئوا وأولوا وهم أقرب إلى السنة منهم إلى أهل الكلام، بل إن أكثرهم لهم مؤلفات في ذم الكلام، مثل البيهقي فله كلام طيب في ذم الكلام، والخطابي له كلام طيب في ذم الكلام، ومع ذلك وقعوا في بعض التأويلات، فهؤلاء الأصل فيهم أن يُترحم عليهم وأن يُدعى لهم بالمغفرة ولا يُعتدى عليهم، لكن لا يوافقون فيما خالفوا فيه السنة وخالفوا فيه السلف، ويقال: أخطئوا في كذا وكذا، يدخل معهم من جاء بعدهم أمثال النووي وابن حجر وغيرهم فإنهم أئمة سنة وأئمة هدى لكنهم وقعوا في بعض التأويلات يغفر الله لنا ولهم، وهي بمثابة زلات العلماء التي تُغتفر لهم ولا يُقدح فيهم بسببها.
الصنف الثاني: هم من أوائل الأشاعرة ويعتبرون من أهل الكلام ويذمون على كلامهم، ويقال: هؤلاء هم أصل الأشاعرة المتأخرين.
الذين بدءوا بالأسس من أمثال ابن فورك والباقلاني؛ لكن الذين عمّقوا هذه الأسس وأصّلوا بعض المسائل الكلامية هم أمثال الشهرستاني والبغدادي وأبو المعالي الجويني والغزالي ويسمى بحجة الإسلام، والإيجي والآمدي فهؤلاء أساطين علم الكلام، والعجيب أنهم كلهم ما بين معلن لترك علم الكلام والإفلاس، وما بين متحير مات على حيرته وإن كان البغدادي لم يثبت عنه شيء بين، لكن ورد ما يدل على أنه اضطرب في آخر حياته، أما الشهرستاني فقد ثبت اضطرابه، وكذلك البقية كلهم ثبت ما بين رجوعهم إلى السنة وتسليم العجائز، وما بين إعلان الإفلاس، هؤلاء هم أهل الكلام وهم الذين أسسوا المذهب الكلامي الذي عليه الأشاعرة اليوم، والذي فتح باب التأويل على مصراعيه ووضع له قواعد كلامية مستمدة من قواعد الجهمية والفلاسفة والمعتزلة، وبعدهم سار الأشاعرة على هذا النهج إلى يومنا هذا.