ثم ذكر مسألة التفضيل، قال: (وأفضل أمته أبو بكر الصديق) يعني: أفضل أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر ثم عثمان ثم علي المرتضى.
وهذا الترتيب يعد اتفاقاً عند السلف، وإن كان أول الأمر قد جرى بينهم خلاف في عثمان وعلي أيهما أفضل، وهذا يعني أنهم أجمعوا على تفضيل أبي بكر أولاً ثم عمر، ثم اختلفوا بعض الوقت في أيهما يقدم: عثمان أو علي؟ وسبب ذلك قرابة علي رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما خص الله به هذه القرابة من الفضل والحق، فحدث أول الأمر شيء من الخلاف وإن كان جمهور السلف وعامتهم في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين على تفضيل عثمان ثم علي، لكن هناك من نازع أول الأمر، وفي آخر الأمر بلغت النصوص العلماء واجتمعت لديهم تبين بالنص، أي: بالأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترتيب الأفضلية على نحو ترتيب الخلافة، وأن عثمان رضي الله عنه أفضل من علي، وصار هذا يشبه الاتفاق فيما بعد.
وتعليل ذلك أن كثيراً من النصوص الواردة في عثمان ما كانت تبلغ بعض الصحابة وبعض التابعين قبل أن تنتشر وتشتهر، فلما انتشرت واشتهرت علموا بهذا الترتيب من خلال النصوص، ونحن إذا استقرأنا النصوص الواردة في الأفضلية، نجد أن أكثرها يرد في أبي بكر، ثم يليه عمر، ثم يليه عثمان، ثم يليه علي.
فبعد اجتماع النصوص وجمعها صار هذا اتفاقاً بين السلف، وعلى هذا فإن الذين قدموا علياً على عثمان في أول الوقت قبل أن تبلغهم النصوص يعذرون بذلك، وهذا اجتهاد سائغ؛ لأنها لم تبلغهم النصوص بمجموعها فيعرفوا ذلك الحق، أما بعد بلوغ النصوص فإن الأمر لم يعد محل خلاف، ولذلك السلف يرمون من فضَّل علياً على عثمان بالتشيع، ويعتبرونه صاحب بدعة، وذلك بعد بيان النصوص وظهورها.
وكل من الخلفاء الراشدين صار له وصف، فـ أبو بكر سمي بـ الصديق وهذا علم عليه؛ لأنه صدق النبي صلى الله عليه وسلم بالغيب والشهادة، وهو أول من صدقه من الرجال.
وعمر وصف بـ الفاروق لأن الله فرق بإسلامه بين الحق والباطل، وفرق الله بقوته وجرأته في الحق بين الحق والباطل، فكان رضي الله عنه قوياً في الحق، درأ عن الإسلام شروراً عظيمة، وبدعاً لو لم يكن منه ذلك الحزم لحصل شر عظيم، فهو الفاروق بين الحق والباطل.
وعثمان ذو النورين؛ لأنه تزوج باثنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنا أعجب من الرافضة الحمقى كيف يطعنون في عثمان رضي الله عنه مع أنهم يدعون أنهم ينتصرون لآل البيت، وعثمان رضي الله عنه قد تزوج بنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم لفضله ولحقه، وكأنهم بذلك يقدحون في النبي صلى الله عليه وسلم حيث زوجه بابنتيه، ثم يقدحون ببنات النبي صلى الله عليه وسلم اللتين تزوجهما عثمان، ثم يقدحون في هذا الإمام العظيم الذي جعل الله له ذلك الفضل.
ثم علي المرتضى، ولا أدري ما وجه تسميته بالمرتضى، فمن عرف في هذا قولاً فلا مانع أن يأتينا به ولو في الدرس القادم.