هذا الفصل جعله المؤلف في حقيقة الإيمان وفي مسائله، فذكر حد الإيمان بالتعريف المفصل عند السلف، ذلك أن السلف عرّفوا الإيمان بتعريفين: مجمل ومفصل، فالتعريف هنا هو التعريف المفصل الذي يشمل جميع معاني الإيمان: (القول باللسان)، وهو النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والنطق بأركان الإيمان ومسائل الدين الأخرى.
ثم قال: (وعمل بالأركان) أي: بالجوارح الظاهرة، ويدخل فيها اللسان؛ لكن عمل اللسان خص لكثرة النزاع فيه فيما بعد.
فعمل الأركان عمل اليد وعمل الرجل، وعمل الأعضاء للسجود والركوع، وعمل الإنسان في أعمال البر التي يعملها بجوارحه، كل ذلك يسمى عملاً بالأركان.
(وعقد بالجنان) وهو تصديق القلب.
وبعضهم يبدأ التعريف بالتعريف الأخير فيقول: (الإيمان عقد بالجنان) يعني تصديق القلب الجازم، لأن العقد هو التصديق الجازم، والجنان هو القلب، (وقول باللسان وعمل بالأركان).
وبعضهم يقول: تصديق القلب وعمل الأركان وقول اللسان.
وكل ذلك جائز ولا مشاحة في الاصطلاح وفي الترتيب هذا هو التعريف المفصّل.
هناك تعريف مجمل كان يقول به أكثر السلف الأوائل قبل أن يكثر الخوض في مسائل الإيمان وفي تعريفه، كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل.
ويكتفون به؛ لأن هذه الكلمة جامعة لقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح والأركان والأعضاء، لكنهم فصّلوا وجاءوا بهذه الأركان الثلاثة: القول والعمل والتصديق لما كثر الخوض في الإيمان وتعريفه خاصة من قبل مرجئة الفقهاء الذين سايروا بعض أهل الأهواء في مفهوم الإيمان، ذلك أن السلف ما كانوا يبحثون هذه المسائل لأنهم كانوا بإجماع يرون أن الإيمان هو مجموع هذا الدين سواء الأمور القلبية الاعتقادية وهو ما يسمى عمل القلب، أو نطق اللسان، أو عمل الأعضاء، كل ذلك ما كان السلف يتنازعون بأنه من الإيمان، لا في عهد الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين.