وصفة المجيء صفة كمال وجلال لله، والمرء إذا تدبر علم أنه راحل، وأنه إلى ربه راجع، وأن الله سيجيء يوم القيامة، وتشرق الأرض التي سنحشر عليها بنور ربها، ثم يأتي الله جل في علاه فيفصل بين العباد عندما يشتد الخطب ويدلهم على الناس، وتحيط الكروب بهم من جميع الجوانب، والشمس تدنو من الرءوس قدر شبر أو ميل، وكل امرئ عرقه يصل إلى كعبيه، أو إلى ركبتيه، أو إلى حقويه، أو إلى صدره، بل إن منهم من يلجمه العرق إلجاماً، وقد جاء في الحديث: (ثم يقولون ألا ترون ما نحن فيه؟ ألا نستشفع بأحد؟ فيذهبون إلى آدم، وإلى إبراهيم وكل يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، حتى يأتون إلى نبي هذه الأمة بأبي هو وأمي، فيقول: أنا لها أنا لها، فيذهب فيسجد تحت العرش، فيعلمه الله محامد فيثني على الله بها، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع في القضاء فيقضي الله بين عباده أجمعين في آن واحد).
وقد تعجب الصحابي راوي الحديث من قول الرسول: (في آن واحد)، الخلائق من لدن آدم إلى آخر خليقة في آن واحد، فإذا استحضرنا مجيء الله فلابد أن نحرص على عمل الحسنات والطاعات، ولا بد أن نقدم الخيرات، وإن أسأنا نئوب ونتوب إلى الله، ولسان حال كل امرئ منا يقول: وعجلت إليك ربي لترضى، فإن الله يرخي كنفه على عباده، فلا يسمع الآخر كلام الله لهذا الشخص، فيقول الله: (عبدي! ألم تعمل ذنب كذا يم كذا؟)، وكل منا يستحضر ذلك، فمن منا لم يتجرأ على حدود الله؟ ومن منا لم يعص الله جل في علاه؟ ومن منا لم يكذب؟ ومن منا لم يخن؟ ومن منا لم يقع في الفواحش؟ فيقول: (عبدي! ألم تعمل ذنب كذا يوم كذا؟ فيقول: أي ربي نعم.
فيقول: عبدي! تعلم ذنب كذا يوم كذا؟ فيقول: أي ربي نعم.
فينظر أيمن منه فلا يجد إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يجد إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يجد إلا النار، فيقول: هذه مهلكتي هذه مهلكتي، فيقول الله تعالى -ونسأل الله أن يقول لنا جميعاً هذا-: عبدي! قد سترتها في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) اللهم! اجعلنا جميعاً كذلك يا رب العالمين! فيجيء الله فيفصل بين العباد.