والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر الذين استحقوا النار ألا يدخلوها، والحق أن أهل المعاصي من المسلمين يشفع فيهم الأنبياء والمرسلون والمؤمنون، فيقبل الله الشفاعة فلا يدخلهم النار، وهذه شفاعة عظيمة جداً في أهل الكبائر.
والدليل العام في هذه المسألة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من نبي إلا وكانت له دعوة مستجابة، وأردت أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة) فيدخل تحتها العصاة، ويدخل تحتها الأبرار الذين هم على التقى، فهذه شفاعة عظيمة جليلة.
ويستدل لها خاصة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يصلي عليه أربعون إلا شفعهم الله فيه)، ووجه الدلالة أن قوله: (رجل) نكرة، فيدخل تحته المؤمن البار، والفاجر الطالح، والفاجر الطالح بمعنى: أن سيئاته تغلب على حسناته، فيشفِّع الله فيه الذين صلوا عليه ويقبل شفاعتهم فيه، فهذه فيها دلالة على الشفاعة لأهل الكبائر.
الشفاعة الثانية التي تعم: الشفاعة في أناس جعل الله لهم منزلة في الجنة فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون لهم منزلة أرقى وأعلى من هذه المنزلة، كرجل منحه الله منزلة عليا وأبوه في منزلة دنيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع ليصل هذا الأب إلى منزلة الابن.
ويمكن أن يستدل لهذه الشفاعة بقول الله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] وهذه أيضاً بالاتفاق.
والشفاعة الأخيرة: الشفاعة في أناس قد صاروا فحماً، وهم أناس من أهل الكبائر غلبت سيئاتهم على حسناتهم -نعوذ بالله أن نكون منهم- ودخلوا النار وهم موحدون، فصاروا فحماً، فيأتي النبي، ويأتي الملك، ويأتي المؤمن، يشفع في هؤلاء فيخرجون من النار، ويسمون الجهنميون، ثم تأخذهم الملائكة فتلقي كل واحد منهم في نهر الحياة، فيحيا فيدخل الجنة بهذه الشفاعة.
وهذه الشفاعة اتفقت كلمة أهل السنة والجماعة على أنها حاصلة للنبي وللأنبياء والملائكة والمؤمنين، غير أن المعتزلة والخوارج أنكروا هذه الشفاعة، وممن علا صوته واشتهر بين الناس بإنكار هذه الشفاعة في هذه الأيام هو مصطفى محمود، وهذا طبعاً نتاج لفكر الاعتزال؛ لأن المعتزلة يرون أن صاحب الكبيرة لا يمكن أن يخرج من النار، بل هو مخلد فيها؛ لأن تأصيل الإيمان عند المعتزلة والخوارج تأصيل واحد لكن يفترقان في الاسم، فالمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين، أي: لا نقول مؤمن ولا نقول كافر، والخوارج أشجع منهم وأقوى فقالوا: الذي يصنع الكبيرة ويفعلها كافر، فالمغتاب مثلاً يقولون عنه: كافر، لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يمكن أن يشفع فيه أحد؛ لأنه يعتبر خالداً مخلداً في نار جهنم والعياذ بالله.
والمعتزلة يقولون: هو في الدنيا في منزلة بين المنزلتين، أما في الآخرة فهو خالد مخلد في نار جهنم والعياذ بالله، فهؤلاء أنكروا الشفاعة لأهل الكبائر؛ لأنهم لو أقروا بها لهدمت الأصول التي بنوها؛ لأن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد، وهم أخرجوهم من دائرة أهل التوحيد.
والدليل على هذه الشفاعة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل حديث القبضة، يقول الله جل في علاه: (شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط) وهذا تمام الكلام عن الشفاعة، نسأل الله جل وعلا أن يؤهلنا لشفاعة نبينا فينا.