ثم يذهب أهل السعادة والشقاوة بعدها إلى حوض النبي صلى الله عليه وسلم بسبب العطش الذي أصابهم، وقد اختلف العلماء في الترتيب بين الحوض والصراط: أيهما قبل الآخر؟ والغرض المقصود: هو الإيمان بالغيبيات؛ لأن هذا هو محل التفريق بين العباد؛ لأن الله جل وعلا أناط الخير والفلاح بالإيمان بالغيب فقال: (الم) [البقرة:1] إلى أن قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:3] ثم قال بعدها: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5]، فأناط الله الفلاح بالإيمان بالغيب.
وتمام الإيمان بالغيب رداً على المعتزلة: الإيمان بحوض النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحوض العظيم الذي اختص الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن كان لكل نبي حوض، لكن هذا الحوض له من الخصوصية والكرامة والعظمة والبهاء والجمال والحلاوة، فإذا نظرت إلى حوض النبي صلى الله عليه وسلم فستجد أن زواياه متساوية، فطوله شهر وعرضه شهر، فكأن حوض النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مربع، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يشرب منه، فيحصل بذلك العدل والتساوي حتى في الشرب والوقوف، فلا يحجب أحد عن رؤيته دون أحد؛ لأنه مربع متساوي الأضلاع.
أما بالنسبة لكيزان وأكواب الحوض فهي كالنجوم عدداً، وعدد النجوم لا يحصى، وهي أيضاً كالنجوم بهاءً وعظمةً وتلألؤاً، فإذا سألت عن طعم الماء فهو أحلى من العسل، وإن سألت عن لون الماء فهو أبيض من اللبن، سقانا الله وإياكم من هذا الحوض الشريف شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.
وماء هذا الحوض العظيم الذي اختص الله به نبيه يصب من نهر منحه الله لنبيه في الجنة اسمه: نهر الكوثر، قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:1 - 2]، فعندما يصب نهر الكوثر فإنه يجتمع في حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض).
فإن قيل: أين حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟ ف
صلى الله عليه وسلم أن هناك حديثين يثبتان مكان المرور بحوض النبي صلى الله عليه وسلم، فأول مكان: هو منبره صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي) وتفسير هذا نرجئه لكلام العلماء في ذلك، فما من منكر لأمر ثبت في السنة إلا وكان عقابه أن يصد عن هذه السنة، وهذا كالمعتزلة الذين قالوا بإنكار الحوض فسيعطشون يوم القيامة بمشيئة الله؛ لمخالفتهم هذه السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإني أذود على حوضي) يعني: يبعد الناس عن حوضه، قال: (وليختلجن أناس من دوني) يعني: من أمام الحوض، قال: (فأقول: رب! أصحابي أصحابي، فيقال: يا محمد! إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك) يعني: ابتدعوا والعياذ بالله، وانظروا إلى البدعة المميتة كيف تفعل بأصحابها، قال: (فأقول: سحقاً سحقاً، بعداً بعداً لمن بدل وغير) فالمحروم شديد اليأس والبؤس بحق هو الذي لا يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ويرد الأحاديث الصحيحة التي تثبت حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.