البعث لغة: هو الإرسال والنشر.
وشرعاً: هو إحياء الموتى يوم القيامة، فسيبعث الله جل وعلا الخلائق رداً على هؤلاء المكذبين لهذه الحقيقة التي لا محيد عنها، والويل كل الويل لمن يعلم أنه سيقف أمام ربه فيسأله عن كل صغيرة وكبيرة، دقيقة وجليلة، ويسأله عن ماله ونفسه، وعن ولده وزوجه وعن أبيه وأمه، وعن كل شيء حتى نفسه، وقد قال أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه متعجباً: ثلاث أضحكتني حتى أبكتني وذكر منها: وضاحك ملء فيه والموت يطلبه، فهل للإنسان أن يضحك ملء فيه وهو يعلم أنه سيبعث، وأنه سيقف أمام ربه، وأنه سيحاسب على كل صغيرة وكبيرة؟ فنسأل الله أن يجعلنا نعتقد هذا الاعتقاد الجازم ونعمل به وله؛ لأنه على الإنسان أن يتهيأ لهذا الموقف العظيم.
والبعث ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقد قال الله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7]، فلا بد من البعث والنشور، وقال الله جل في علاه: {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة:49 - 50].
وأما السنة: ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر الله الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرص نقي ليس فيها علم لأحد).
أما من الإجماع: فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن الله يعيد الخلق كما بدأه، وأن الله يجمع الخلائق يوم القيامة، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا جميعاً لله جل في علاه كرجل واحد.
أما صفة الخروج والبعث: فإن الله جل في علاه يرد الخلق كما بدأهم، أي: كما كانوا في بطون أمهاتهم، فإن الله يخرجهم بعثاً جديداً على هذه الهيئة، كما بين الله جل في علاه فقال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104]، ونستنبط من هذه الآية فائدة مهمة: وهي إثبات البعث بالقياس؛ فإن الله تعالى يقيس في هذه الآية الإعادة على الابتداء، ويسمى هذا القياس: قياساً جلياً من باب الأولى؛ لأن الإعادة أهون على الله من الابتداء، فكما أن الله جل في علاه خلق الإنسان من عدم فسيعيده بعثاً يوم القيامة وهو أهون عليه، وأنت في حياتك الواقعية قد ترى النجار يصنع من الخشب مكتبة للكتب، فإذا تكسرت المكتبة أو تعثرت سهل على النجار إعادة إصلاحها؛ لأن الإعادة أهون عليه من ابتداء صنعها، ولله المثل الأعلى، فالله تبارك وتعالى يبين لنا ذلك بقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104].
ويستنبط من هذه الآية العظيمة أيضاً: أن الإنسان سيبعث كما ولد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مفسراً لنا إجمال هذه الآية: (يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً) يعني: غير مختونين، فإن الجلدة التي تبعد في الختان تعود كما كانت عليه وهو أيسر على الله جل في علاه.