إن الدجال رجل عظيم الخلقة، وهو الآن مسلسل، وهذا هو الصحيح، ويغفر الله للشيخ محمد بن عثيمين فهو لا يقول بذلك، بل يقول: إنه غير موجود، لكن علة الشيخ ابن عثيمين غير علة من يأخذون بالعقل دون النقل، وإنما علته أنه يقول بتضعيف حديث الجساسة؛ فلذلك أنكر وجود الدجال الآن، لكن نقول: هذا اجتهاده، وهو اجتهاد خاطئ لا نقبله من الشيخ رحمه الله، وجعله مع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقائه في الفردوس الأعلى.
والحق أن الدجال موجود الآن، وهو مسلسل، كما في الحديث الطويل حديث تميم الذي روته فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فحديث تميم الداري يلغز به فيقال: كل الصحابة نالوا الشرف في التحديث عن رسول الله، لكن من الذي نال الشرف بأن حدث عنه رسول الله؟ إنه تميم رضي الله عنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم صعد المنبر مبتسماً ثم قال: (إنه قد أسعدني أن تميم الداري حدثني ما وافق ما حدثتكم به) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثني تميم) وهذا يبين شرف هذه الأمة ففيها من صلى خلفه النبي، وفيها من هو خير البشر بعد الأنبياء، وفيها من حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم كـ تميم، ثم سرد الحديث بطوله، ونقلته لنا فاطمة بنت قيس.
والحديث طويل جداً، وفيه أن الأمواج تلاعبت بـ تميم ومن معه فنزلوا على جزيرة فجاءت الجساسة وهي دابة أهلب، أي: كلها شعر القبل كالدبر، فقالت لهم: إن هناك من ينتظر خبركم بالأشواق، فأخذتهم إلى رجل مسلسل ورأسه عند رجله وهو عظيم الخلقة، فقال: من أين أنتم؟ ثم ذكروا مسألة النخيل ومسألة المدينة، فقال: هذا العصر عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إن يتبعوه يرشدوا، وهنا يعظ، والشاهد الذي أريده أنه موجود من وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسلسل بنص حديث تميم الداري، وقال الشيخ ابن عثيمين: إنه ليس بموجود وسيخلق، أو قال: إنه ليس بموجود فقط، وهذا كلام يرد على صاحبه كائناً من كان ويضرب به عرض الحائط؛ لأن الحديث ثبت ولا قول لأحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم.
ما العلم إلا قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه والظاهر: أن الشيخ اجتهد وله سلف، فـ البخاري أشار إلى حديث الجساسة ولم يخرجه في الصحيح؛ فلذلك الشيخ ابن عثيمين تبنى هذا المذهب وعضد إشارة البخاري بأنها توحي بتضعيف حديث الجساسة، فأخذ بتضعيف حديث الجساسة.
والملاحظ هنا أنها أحكام مناطة بالتصحيح، وهذا الحديث ضعيف عنده فلم يثبت وجود الدجال، لكنه يؤمن بخروج الدجال عقيدة جازمة، لكنا نقول: قد صح الحديث، وإذا صح الحديث فلا قول لأحد مع قول رسول الله.
أما القائل الذي قال غفر الله لنا وله: إنه ليس هناك شيء اسمه الدجال، فليته يتراجع ولو هنيهة عن قاعدة التسهيل التي طغت بالأمة الإسلامية الآن، نسأل الله العفو والعافية، لكنه بفضل الله يعتقد خروجه، وعندما سئل: لماذا قلت هذا القول؟ قال: إن الأقمار الصناعية وجدت ولم نر أحداً رأى الدجال.
وهذا طالب علم عندنا أقسم لي بالله أن الأقمار الصناعية كشفت عن منطقة في القاهرة فغابت عنها قرية فلم تصورها ولم تعرف عنها شيئاً، فقرية لم تعرف عنها شيئاً أتعرف عن رجل شيئاً؟ فالمسألة أصلاً مسألة نظر علمي محض يعتريه الصواب ويعتريه الخطأ، فهل أصرح بخلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت كالجبال الرواسي من أجل هذه النظريات التي لا تنفع ولا تضر، وهي تصيب وتخطئ؟! ومن هنا نقول: إن الإمام مسلماً كان صاعقة في الحفظ، وهو الذي قال فيه المغاربة: مسلم أعلم من البخاري، وهذا كلام غير صحيح، لكن هم يقدمون صحيح مسلم على صحيح البخاري لحسن ترتيب مسلم لكتابة الصحيح، فهو يجمع كل الأسانيد لحديث واحد من روايات متعددة، وهذا يساعد على من يريد أن يكشف ويحقق تصحيح الإسناد أو تضعيفه من باب المتابعات والشواهد، لكن كان البخاري يهتم في صحيحه بالفقه أولاً؛ فلذلك كان يقطع الأبواب، ولا يهمه الأسانيد إن هي تكاثرت في باب واحد، ومعلوم أن البخاري أصح؛ لأنه أنقى شروطاً في الرجال الذين انتقاهم لصحيحه.
والمقصود: أن هذا الحديث في مسلم، فليس لك أن ترده، إلا أن تكون عالماً نحريراً من العلماء المعتبرين الذين سينتقدون حديث مسلم فنسمع لك ونطيع وننظر ما عندك من العلم، ونعرض كلامك على كلام أهل العلم وأهل الشأن، فإن وافق فعلى الرحب والسعة، وإلا فأنت تعول في كل كتبك على الألباني حتى رسالة الماجستير تعول فيها في التصحيح والتضعيف على الألباني، فارجع للألباني فأنت مقلد له الآن، لكن لا تلعب بالحديث هكذا؛ لأنك لست من علماء الحديث، بل ارجع للألباني وانظر هل ضعف الحديث أم صححه، لكن أن تجعل مقياس تضعيف حديث في صحيح مسلم بن الحجاج -هذا الإمام الذي حفظ لنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم- هي الأقمار الصناعية فلا، وإذا سألك ربك فلا تدري كيف تجيب، لكني أقول: يغفر الله لنا ولك ويعلمنا وإياك، وما زلنا على جهل نحتاج جميعاً إلى العلم، ولذلك الحافظ ابن حجر سطر كلاماً يكتب بماء الذهب على السطور، يقول: لا يزال العالم عالماً إذا جد في الطلب، أما إن توقف وقال: أنا أنا فقد انتهى الأمر ولن تأخذ منه خيراً، ولن تجد له اجتهاداً بعد ذلك يوافق السنة.
ولذا يجب علينا أن نخالف هؤلاء الذين ردوا حديث الدجال وقالوا: هو غير موجود، ونقول: هو موجود في حديث فاطمة بنت قيس حديث الجساسة في صحيح مسلم.
وقد أتم لنا النبي صلى الله عليه وسلم وصف الدجال واهتم اهتماماً شديداً بمسألة الدجال وقال: (ما من نبي إلا حذر قومه الدجال الأعور، وإني سأقول لكم فيه قولاً بيناً فصلاً) وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النذير العريان، واشتد في نصح أمته عن الدجال، حتى قالوا: (خشينا أن يكون الدجال خلف الشجر، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم خوفهم من هذا النذير، قال لهم: ما لكم، إن خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن خرج وأنا لست فكيم فكل امرئ حجيج نفسه) وهذه الوكالة للنفس وكالة إلى ضياع والعياذ بالله.
ونستدل على وجود الدجال بحديث ابن صياد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحسس ابن صياد وكان يختبئ له؛ إذ أنه عندما اختبأ قالت أمه: (يا صاف! هذا محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو تركته بين) أي: لو تركته بين لنا أهو الدجال أو ليس هو، وهذا الحديث فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشك في وجود الدجال، ثم أكد وجود الدجال مسلسلاً بحديث تميم الداري.
فإن قلتم: حديث تميم الداري ضعيف ولا يثبت به وجود الدجال، فهذا حديث ابن صياد وشكوك النبي صلى الله عليه وسلم دليل على وجود الدجال، مع أن حديث تميم الداري ليس بضعيف بل هو صحيح.
والنبي صلى الله عليه وسلم وصف لنا الدجال وصفاً بديعاً حيث قال: (هو أعور، وربكم ليس بأعور) وأعور بمعنى له عين واحدة والأخرى إما مطموسة أو موجودة معيبة، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين عينيه مكتوب ك.
ف.
ر) والنبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ؛ فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (يقرؤها كل قارئ وغير قارئ) أي: أن كل مؤمن أمي وغير أمي سيقرأ ك.
ف.
ر أي: كافر، سيقرأ هذا القول.
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم وجوده أنه يعيش بيننا أربعين، يوماً كسنة، ويوماً كشهر، ويوماً كأسبوع، وباقي الأيام كأيامنا هذه، هذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم للدجال.