مسألة أخرى تتعلق بالإيمان: أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: قول المرجئة الذين قالوا: لا يزيد ولا ينقص، وعندهم إيمان جبريل كإيمان أبي بكر وإيمان أبي بكر كإيمان آحاد الأمة، ندعو الله أن يهديهم إلى سواء السبيل؛ لأنهم طائفة من أضل الطوائف في باب الإيمان، وقوم قالوا: يزيد ولا ينقص، وقوم قالوا: يزيد وينقص وهو قول أهل السنة والجماعة، أما الذين قالوا يزيد ولا ينقص فهم المالكية، وهذا القول منسوب للإمام مالك؛ لأنه قال: قرأت كتاب الله فما وجدت أدلة تدل على النقصان، وكل الأدلة تدل على الزيادة، قال تعالى: {زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17]، فقال: ما رأيت آية تتكلم عن الإيمان إلا فيها الزيادة، فهو يزيد ولا ينقص.
والصحيح الراجح: أن القول الصحيح عن مالك كقول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، والدلالة على ذلك من الكتاب ومن السنة ومن النظر أيضاً، فمن الكتاب قول الله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4]، وقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17]، وأيضاً قول الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة:124 - 125]، فهذه الآية دلالة على النقصان.
إذاً: الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، والآية التي تبين أنه ينقص بالمعاصي قوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:125]، يعني: نقصاً على النقص الذي هم فيه، وأوضح من ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين حيث قال: (تصدقن يا معشر النساء فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قلن: علام يا رسول الله؟ قال: تكفرن، فقالت امرأة من أعقل النساء: أيكفرن بالله -أو قال الصحابة- يكفرن بالله؟ قال: لا، يكفرن العشير، يحسن لها الزوج الدهر كله فإذا رأت منه شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط، فقالت امرأة من أعقل النساء: وما نقصان الدين والعقل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فذلك نقصان العقل، وأما نقصان الدين أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، فقال: هذا نقصان الدين)، ووجه الشاهد: (نقصان الدين) فهذا تصريح بأن الدين ينقص بالنسبة للحيض عند عدم الصلاة وعدم الصوم، وإن كن غير مطالبات في هذه الحالة، لكن أيضاً لا يزددن طاعة؛ لأن الطاعة كلما أتى بها المرء كلما ازداد تقى وازداد إيماناً على إيمان، فهذه دلالة واضحة على أن الإيمان يزيد وينقص والمرجئة تخالف هذا القول.