أما المرتبة الرابعة من مراتب القدر: فهي مرتبة الخلق، فإن الله علم فكتب فأراد فخلق، والله جل وعلا خلق كل شيء، قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16]، ويندرج تحت هذا عموم الخلق.
والخلق خلقان: خلق إيجاد من عدم، وخلق تحويل من صورة إلى صورة، وبهذا نزيل شبهة المتكلمة عندما يقولون: أنتم تقولون: الله خالق كل شيء، يعني: لا خالق مع الله؟ فنقول: نعم.
فيقولون: ماذا تقولون في قول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]، فظاهر الآية يدل على أن هناك مشاركة؟ فنقول جواباً عليهم: إننا عندما ننظر في الخلق، ونقسمه إلى قسمين: خلق إيجاد من عدم، وخلق تحويل من صورة إلى صورة، فإننا نخرج من هذه الشبهة، وذلك أن خلق الإيجاد من عدم هو مما ينفرد الله به.
فلا يمكن لأحد أن يخلق من العدم إلا الله تعالى، فقد كنا عدماً ثم خلقنا الله، قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:1].
وأما الخلق المقيد: وهو تحويل الصورة إلى صورة أخرى، فهذا قد يشترك فيه البشر، كما في تحويل الحديد إلى سيارة، أو تحويل الخشب إلى باب أو نافذة، فإن هذا التحويل يسمى خلقاً، فيقال: إن هذا الرجل صنع باباً من الخشب أي: خلق باباً من الخشب؛ لأن الخلق قد يأتي بمعنى الصناعة، فيكون محل الآية: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]، إنما هو في خلق التحويل من صورة إلى صورة.
ومن المهم في مرتبة الخلق بيان الرد على القدرية، وذلك بأن الله خلق أفعال العباد كلها، ومنها: فعل الزنا، والسرقة فإنها مخلوقة، لكنها تنسب إلى الله خلقاً وإيجاداً، وتنسب إلى العبد كسباً وفعلاً، يعني: أن الزاني والسارق منسوب إليه الزنا والسرقة، ولكن العبد كله مع فعله مخلوق لله جل في علاه.