قال المؤلف: (الحمد لله المحمود بكل لسان) ؛ وهذا شروع في الرسالة بالحمد بعد البسملة.
واعلم أن الرسائل والكتب والكلام يفتتح: إما بالبسملة، وإما بالحمد غالباً، وإما أن يفتتح بهما كما فعل المؤلف رحمه الله في هذه الرسالة، فإنه افتتح هذه الرسالة بالبسملة، وافتتحها أيضاً بالحمد.
والحمد هو: الإخبار بمحاسن المحمود محبة وتعظيماً.
فقول القائل: الحمد لله، أي: أنه يخبر بمحاسن المحمود وهو الله جل وعلا؛ محبة وتعظيماً له جل وعلا؛ ولذلك يلاحظ أنه بعد ذكر الحمد في كتاب الله عز وجل، وفي غالب الكلام أن يأتي بعده ذكر أوصاف المحمود، أو ذكر أفعاله، والأفعال هي في معنى الصفات.
وهنا قال المؤلف رحمه الله: (الحمد لله المحمود بكل لسان) ، أي: أن من صفاته جل وعلا أنه محمود بكل لسان، وهذا يدل على عظيم استحقاقه للحمد؛ لأنه ما من لسان إلا يحمد الله جل وعلا، واللسان هنا يشمل في الأصل والابتداء لسان المقال، ويشمل لسان الحال، فما من أحد إلا وهو حامد لله عز وجل بلسان الحال وبلسان المقال.
قال: (المعبود في كل زمان) ؛ أي: المستحق للعبادة في كل زمان، فهو جل وعلا المعبود على مر العصور وتعاقب الدهور وتوالي الأيام وكر الليالي، فهو جل وعلا المستحق أن يعبده العابدون من الإنس والجن والملائكة، وغيرهم من خلق الله عز وجل على توالي الزمان.
قال: (الذي لا يخلو من علمه مكان) أي: لا يشغر ولا يتعطل مكان من الأمكنة عن علمه، بل أحاط جل وعلا علمه بكل شيء، ووسع كل شيء رحمة وعلماً.
قال: (ولا يشغله شأن عن شأن) ؛ وهذا من بديع صفات الله عز وجل، وهو أنه لا يشغله أمر عن أمر، فالشأن هنا بمعنى الأمر، أي: لا يشغله أمر عن أمر، فهو جل وعلا الذي لا تكثر عليه المسائل، ولا تشغله المطالب، يسمع سؤال كل سائل، ويعطي كل من سأله ودعاه.
وهو جل وعلا يدبر أمر الكون، فما يكون شيء إلا بمشيئته وتقديره سبحانه وتعالى، لا يشغله إعطاء هذا عن إعطاء غيره، ولا إحياء هذا عن إماتة غيره، ولا تدبير هذا عن تدبير غيره، بل كل شيء بقضاء وقدر، فهو على كل شيء قدير، أحاط جل وعلا بكل شيء، فلا خروج لشيء من خلقه عن قدره ومشيئته وعلمه، كما قال تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] .
قوله: (جل عن الأشباه) : أي عظم عن الأشباه، فهو جل وعلا عظيم عن أن يشبهه شيء، أو أن يكون له ند.
والأشباه: جمع شبيه، والأنداد: جمع ند، فالله سبحانه وتعالى متعالٍ عن أن يكون له مثيل، ومتعالٍ عن أن يكون له ند، والند يطلق على المثل ويطلق على الضد، فهو ليس له مثيل وليس له مضاد، بل هو الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد.
قال رحمه الله: (وتنزه) ، أي: تقدس (عن الصاحبة) ، أي: الزوجة، (والأولاد) أي: تنزه عن أن يتفرع منه شيء سبحانه وتعالى، وعن أن يكون له ولد، فليس له ولد جل وعلا، كما قال سبحانه وتعالى عن نفسه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:1-3] .
قال: (ونفذ حكمه في جميع العباد) أي: مضى، والحكم هنا حكمه القدري، فحكم الله جل وعلا القدري نافذ في كل أحد، فلا خروج لأحد عن حكم الله عز وجل، وكل شيء بقضاء وقدر، وما من شيء إلا ويجري عليه حكم الله جل وعلا.
قوله: (لا تمثله العقول بالتفكير) أي: لا تدرك العقول مثالاً له، ومهما أمضت من الوقت في النظر والتأمل والتفكر والتدبر؛ فإنها لا تصل إلى تمثيله، فالمعنى: أنه لا تصل العقول إلى مثله بالتفكير.
(ولا تتوهمه القلوب بالتصوير) أي: لا تستطيع القلوب أن تدرك صورته جل وعلا، أي: أن تجعله سبحانه وتعالى في صورة من الصور، فالقلوب تعجز عن تصويره سبحانه وتعالى، قال جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ؛ أي: أنه جل وعلا ليس له مثيل؛ فليس له ما يمثل به ولا ما يلحق به في الصورة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، وقد قال الله جل وعلا في نفي المثل عنه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] ، أي: ليس له سمي، وليس له نظير كما قال سبحانه: {ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] وقوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً} [البقرة:22] ، وما أشبه ذلك من الآيات التي نفى الله جل وعلا فيها عن نفسه الكفؤ والند والنظير.