هذا المقطع عاد به المؤلف رحمه الله إلى ذكر مثال من الأمثلة على صفات الله عز وجل التي جاءت في الكتاب والسنة وأثبتها سلف الأمة، فذكر صفتين: صفة الاستواء، وصفة العلو، والاستواء والعلو صفتان مقترنتان في كلام أهل العلم، وسبب الاقتران بين الاستواء والعلو هو أن الاستواء من أدلة العلو؛ لأنه علو خاص.
يقول رحمه الله: (من ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] ) أي: من الصفات التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله عز وجل صفة الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] ، وقد ذكر الله جل وعلا هذا في آيات عديدة من كتابه، ولم يأت في آية من هذه الآيات أن الاستواء بمعنى الاستيلاء، أو أن الاستواء بمعنى مخالف لما تكلم به سلف الأمة من أنه العلو والصعود والاستقرار، فإن سلف الأمة تكلموا في معنى الاستواء في هذه الكلمات كما قال ابن القيم: ولهم عبارات عليه أربع قد حصلت للفارس الطعان وهي استقر وقد علا وكذا ارتفع الذي ما فيه من نكران وكذاك قد صعد الذي هو رابع فهذه أربعة معان ذكرها العلماء في معنى الاستواء، وهي ثابتة عن السلف الصالح، والذين خالفوا منهج أهل السنة والجماعة قالوا: الاستواء معناه الاستيلاء، واستدلوا على ذلك ببيتٍ مهلهلٍ محدثٍ مصنوعٍ: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق وهذا إبطال لما كان عليه سلف الأمة بما لا دليل فيه، وبما يلزم عليه من اللوازم الباطلة مالا يلزم على إثبات الاستواء، فهذه الآية فيها إثبات استواء الله عز وجل على عرشه، وهذا أمر دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه سلف الأمة، ولم ينقل عن أحد من الأمة أن الله لم يستو على عرشه، بل إن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول: إن الاستواء مذكور في كل كتاب من كتب الرسل، وجاء به كل رسول.
ولعظيم شأن هذه الصفة ذكرها الله في سبعة مواضع في كتابه، فلا يسوغ مع هذا التعدد والتكرار في ذكر هذه الصفة أن (استوى) بمعنى: استولى، فإن هذا من تحريف الكلم عن مواضعه.