قال: وقوله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ} [الفجر:22] انتقل المؤلف إلى ذكر الصفات الفعلية الاختيارية لله عز وجل.
واعلم أن الصفات الاختيارية لله عز وجل ينكرها غير أهل السنة والجماعة ويؤولونها بمجيء الأمر أو بمجيء الرحمة، يئولونها بشيء من مخلوقات الله عز وجل، ولا يقولون: إنها من صفاته، يقولون: لأن إثبات الصفات الفعلية يلزم منه أن تقوم به عز وجل الحوادث، وقيام الحوادث للأعيان يدل على أنها حادثة، هكذا زعموا في إبطال ما دلت عليه النصوص من إثبات صفات الفعل.
والصحيح: أننا نثبت هذه الصفة لله عز وجل ولا نقول ما يقول هؤلاء من أن الله حادث، بل هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، وكل من أبطل شيئاً من هذا فقد أبطل ما دلت عليه النصوص من أن الله فعال لما يريد، كما قال جل وعلا في إثبات صفة الفعل: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:15-16] فذكر صفة الفعل بصيغة المبالغة للدلالة على كثرة فعله سبحانه وبحمده.
فصفات الفعل يثبتها أهل السنة والجماعة لأن الله أثبتها لنفسه في كتابه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا أجمع سلف الأمة، فلم يقل أحد من الصحابة ولا التابعين ولا من أئمة المسلمين: إن قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] أي: جاء أمره، ولم يقل أحد منهم في قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:210] : إن الذي يأتي الأمر، أو إن الذي يأتي الملائكة، وإن الله جل وعلا لا يأتي، فإن هذا تشكيك في القرآن، بل الواجب إثبات صفات الفعل لله جل وعلا، كما أثبتها لنفسه في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] ، وكما قال الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:210] أي: ويأتي الملائكة، كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] فالمجيء والإتيان فعل له سبحانه وبحمده يفعله متى شاء وكيف شاء.