المراد من كلام أحمد (لا كيف ولا معنى)

الإمام أحمد رحمه الله قال في الأحاديث التي جاء فيها الخبر عن صفات الله عز وجل؛ كحديث النزول: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا) وحديث: (أن الله يرى يوم القيامة) ، قال رحمه الله: نؤمن بها ونصدق بها، لا كيف ولا معنى.

وقد فرح كثيرُ من المبتدعة بهذا المنقول عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو مما نقله حنبل عن الإمام أحمد رحمه الله.

فـ (لا كيف) ، لا إشكال فيها، أي: أننا نثبت ما أخبر الله به من هذه الصفات دون النظر في كيفية ذلك، فإن الكيفيات لا سبيل إلى إدراكها ولا إلى علمها، بل هي مما اختص الله بها نفسه، فلا سبيل إلى علم كيفية نزول الله عز وجل، ولا سبيل إلى معرفة كيفية سائر ما أخبر الله به من الصفات عن نفسه، بل الواجب الإيمان بتلك الصفات دون التعرض للكيفيات؛ لأن كيفية الشيء فرع عن معرفة الشيء نفسه، فإذا كنت لا تعرف الشيء ولا تحيط به فأنت جاهل بكيفيته؛ لأن الكلام في الكيفية فرع عن الكلام في الذات وفي الشيء نفسه.

فإذا قال لك قائل: كيف سمع الله؟ فقل له: كيف الله؟ فسيقول لك: لا أعرف، وهو الذي لا يمكن أن يتكلم الإنسان بغيره.

فحينئذٍ تقول: كذلك صفاته لا تعرف، ولا يمكن أن يدركها الإنسان؛ لقصر عقله وضعفه عن إدراك ذلك، فإن الله لم يطلب منا الإيمان بكيفيات الصفات، إنما طلب منا الإيمان بالصفات نفسها لا بكيفياتها، بل كيفياتها تدخل في قول الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران:7] أي: حقيقة ما أخبر الله به عن نفسه لا يعلم إلا من طريق الله عز وجل، والله لم يعلمنا ذلك؛ فلا سبيل إلى علم هذا.

ثم قوله: (ولا معنى) أي: لا تأويل، وليس المراد نفي المعنى مطلقاً؛ فإنه مما ينبغي أن يعرف وأن يعلم أنه ليس مراد الإمام أحمد رحمه الله بقوله: (لا معنى) ، أننا لا نعرف معنى ما أخبر الله به عن نفسه من الصفات، بل إن كلام الإمام أحمد رحمه الله صريح صراحةً واضحة بأن آيات الصفات لها معان، وقد صرح بذلك في مواضع عديدة، وقد بين رحمه الله أنه إنما ينكر تأويلات الجهمية، وليس الإنكار للمعاني، فإنها ثابتة.

المفوضة هم الذين قالوا: إن الله تكلم بكلام لا نعلم ولا ندرك معناه، أو أنه ليس له معنى؛ فرحوا بقول الإمام أحمد وما نقل عنه من قوله: (ولا معنى) ؛ فظنوا أن المعنى المنفي هنا هو أصل المعنى والتفسير لآيات الصفات وأحاديثها، وخفي عليهم أن ما نقل عن الإمام أحمد في هذا الكلام يرد عليهم، كما سيأتي بعد قليل، كما أن المنقول عن الإمام أحمد رحمه الله يدل دلالة واضحة على أن مراده: (لا معنى) ، أي: لا تأويل وتحريف للكلم عن مواضعه مما يسلكه الجهمية ومؤولة الصفات.

فمعنى قوله: (لا كيف ولا معنى) ، أي: لا نكيفها ولا نحرفها بالتأويل؛ فنقول: معناها كذا وكذا دون أن يكون عندنا من الله في ذلك برهان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015