قال رحمه الله: (بلا حد ولا غاية) أي: أننا لا نحد لذلك حداً من قبل أنفسنا، وقوله: (ولا غاية) أي: ولا نحدد نهاية من قبل أنفسنا، ولا يعني هذا الكلام أن صفات الله جل وعلا ليس لها حد، فإن أول من قال: إنه لا حد للصفات ولا غاية ولا نهاية جهم بن صفوان، يقول أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله في كتاب (الرد على الجهمية) : لم يعلم عن أحدٍ من العالمين أنه تكلم بهذا الكلام قبل جهم بن صفوان، ومراد جهم بن صفوان بقوله في الصفات: إنه لا حد لها ولا غايه؛ مراده تعطيل الله عن صفاته، ولذلك قيل: (من قال: لا حد ولا غاية، فقد قال بأنه لا إله، وأن الله لا شيء؛ لأنه ما من شيء إلا له حد وغاية.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن بعض صفات الله عز وجل فقيل له: بحد أو لا؟ قال: بحد، واستدل لذلك بقول الله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر:75] قال: حافين من حول العرش، أي: محدقين، وهذا حد، وأهل السنة والجماعة متفقون على أن الله فوق سماواته، على خلقه، بائنٌ من خلقه سبحانه وتعالى؛ ولا شك أن هذا حد.
ولذلك اتفق سلف الأمة على إثبات أن للصفات حداً وغاية؛ لكنهم نفوا أن يكون لهذه الصفات حد يعلمه الإنسان؛ ولذلك قالوا: له حدٌ لا يعلمه غيره، كما ذكر ذلك أبو سعيد رحمه الله؛ فقال: ولا يجوز لأحدٍ أن يتوهم لحده غاية، ولكن نؤمن بالحد، ونكل علمه إلى الله تعالى.
فافهم معنى قول الإمام أحمد رحمه الله: (بلا حد ولاغاية) كما اتفق على ذلك سلف الأمة، ونقل ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، وأيضاً نقله قبله أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله، ونقل عن ابن المبارك والإمام أحمد وعن جماعة من أهل العلم.
قال رحمه الله: ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى:11] ) ، ونقول كما قال) ، أي: كما قال الله تعالى وكما قال رسوله.
(ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك) أي: لا نتجاوز الكتاب والسنة، (ولا يبلغه وصف الواصفين) أي: لا يدرك حقيقة صفاته وما له من بديع الصفات وصف الواصفين، بل هو العليم الخبير لا يحيط الخلق به سبحانه وبحمده.
قال رحمه الله: (نؤمن بالقرآن كله: محكمه ومتشابهه) المؤلف رحمه الله قسم القرآن إلى قسمين: المحكم والمتشابه، فالمحكم: هو الذي لا يحتمل إلا معنىً واحداً، والمتشابه مثل: (عبد الرحمن) فإنه يحتمل أكثر من معنى.