ولما أخبر صلى الله عليه وسلم باختلاف الأمور بعده كما في صحيح الإمام مسلم لما قالوا له: (أفلا ننابذهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) ، وفي حديث عبادة: (وألا ننازع الأمر أهله قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) .
فهذا كله يدل على وجوب السمع والطاعة في المعروف فيما فيه مصلحة العباد والبلاد، أما إذا كان الأمر في معصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية كائناً من كان، لأن الله فرض طاعة ولاة الأمر وجعلها فرعاً عن طاعته، وهذا هو السر في أن الله لم يُعد ذكر الأمر في الطاعة في ذكر طاعة ولاة الأمر؛ لأن طاعتهم ليست طاعة مستقلة بل هي طاعة تابعة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} لم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما قال: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فلم يذكر فعل الطاعة في حق ولاة الأمر؛ لأنها تابعة لطاعة الله ورسوله، أما طاعة الله فهي واجبة استقلالاً، وطاعة النبي واجبة استقلالاً كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] .
وهذه مسألة تميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم، وإذا راقبت وتأملت خيرة سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم وجدتهم على هذه السنة الظاهرة المشتركة بينهم رحمهم الله ورضي الله عنهم، لتضافر الأدلة عليها.
ولا يعني هذا ألا يأمر الإنسان بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، بل الواجب هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن على ما تقتضيه الشريعة.
يقول رحمه الله: (برهم وفاجرهم) أي: تجري الطاعة لمن كان براً ولمن كان فاجراً، سواء كان براً في خاصة نفسه وولايته أو كان فاجراً في خاصة نفسه وولايته، ما لم يبلغ الفجور إلى الكفر، فإذا بلغ فلا طاعة لكافر، ومما حكى القاضي عياض إجماع المسلمين عليه أنه لا طاعة للكافر إذا تولى على المسلمين.
قال رحمه الله: (ما لم يأمروا بمعصية الله فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله) ، لا إشكال في هذا، والأدلة على هذا الأمر واضحة وجلية.