الشفاعة المنفية في القرآن عن الكافرين

قال رحمه الله: (ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين) ، قال الله تعالى في ذلك: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48] ، ونفى الله عز وجل الشفاعة في مواضع كثيرة من كتابه، والشفاعة المنفية في القرآن العظيم هي الشفاعة في أهل الشرك، أو الشفاعة التي يزعمها من يزعمها من المشركين، أو التي يظنها ويتوهمها من لم يفهم كلام الله وكلام رسوله من أن أحداً يشفع فيه دون إذنه ورضاه.

وقوله رحمه الله: (ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين) ، موافقة لقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48] فنفى الله عز وجل عن أهل الكفر نفع الشفاعة، وهل هذا نفي للنفع بالكلية؟

صلى الله عليه وسلم هذا هو الأصل، إلا أن السنة دلت على أن من الكفار من ينتفع بالشفاعة لكنه ليس نفعاً تاماً، إنما هو نوع تخفيف، ومن ذلك الشفاعة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب، وقد وسع بعض أهل العلم الدائرة فجعلها شفاعة تشمل كل من نصر النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار، ومعلوم أن الكفر درجات، وليس على مرتبة واحدة، فكما أن الإيمان شعب ودرجات؛ فكذلك الكفر يتفاوت فيه أهله، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37] ، فجعل النسيء: وهو تأخير الأشهر الحرم وتقديمها والتلاعب بها مما يزيد كفر الكافر، والنار معلوم أنها دركات، وهذا التفاوت في دركات النار إنما هو بتفاوت درجات الكفر، فالكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين في رفع العذاب وإزالته، ولكن في تخفيفه، وذلك في مثل عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو واضح؛ حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم نفعه له حيث قال: (إنه في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) ، والحديث في الصحيحين.

ومن التخفيف للكفار: حديث الشفاعة العظمى؛ فإن الناس يجتمعون يوم القيامة ويأتون إلى الأنبياء طالبين منهم الشفاعة عند رب العالمين في فصل القضاء، هذه الشفاعة هل الذي يطلبها الكفار أو أهل الإيمان؟ كثير من النصوص جاءت مطلقة: (أن الناس يأتون إلى آدم) ، ولفظ الناس يصدق على المسلم والكافر، وفي بعض روايات الحديث عند الإمام مسلم في صحيحه قال: (فيجتمع المؤمنون؛ فيأتون آدم) فيكون الطالب للشفاعة هم أهل الإيمان، لكن حتى على هذه الرواية فإن طلب الشفاعة فيه نوع شفاعة للكفار، لكنها شفاعة تخفيف وليست شفاعة رفع؛ لأن ما يقبلون إليه أعظم وأشد مما أدبروا عنه، والمراد أن قوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48] ، هل يدخلها التخفيف أو لا يدخلها؛ لأن تخفيف العذاب لا ينتفع به الكافر انتفاعاً تاماً، وإنما يحصل النفع الكامل في رفع العذاب وإزالته.

فـ أبو طالب مع عظيم نفع النبي صلى الله عليه وسلم له في هذه الشفاعة نصيب؛ حيث إنه صار أهون أهل النار عذاباً، فهل ينتفع بهذا؟ لا، فهو يرى أنه أعظم أهل النار عذاباً، وهذا مصداق قول الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015