ومن خصائص أهل الإسلام وأهل الإيمان أنهم يؤمنون بالغيب، ولذلك قال تعالى في أول صفة ذكرها لأهل الإيمان في كتابه: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة} [البقرة:2-3] ، فأول صفة ذكرها لعباده المتقين الذين يهتدون بالقرآن أنهم يؤمنون بالغيب، وهو الذي يميز بين أهل التقوى والدين والإيمان، وبين أهل الحجود والكفر والإعراض، فيجب على المؤمن أن يؤمن بكل ما أخبر به تعالى في كتابه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم إيماناً جازماً لا يدخله ريب ولا شك.
وهذا هو الإيمان المجمل، ولذلك قال: (يجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم) ، أي: سواء علمناه أو لم نعلم، بلغنا أو لم يبلغنا، فيجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (وصح به النقل عنه) ، أي: ما أخبر به في الكتاب، أو صح به النقل عنه، فالأول يشمل الكتاب والسنة، وأما قوله: (أو ما صح به النقل) فهذا يختص بالسنة؛ لأن النقل إنما تطلب صحته فيما كان من خبر النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف خبر الله عز وجل.
قوله: (فيما شاهدناه) ، أي: فيما أدركناه، ووقع عليه بصرنا وهو من عالم الشهادة.
وقوله: (أو غاب عنا) يعني: مالم ندركه ولم نشاهده.
قوله: (نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ماعقلناه وجهلناه) : ما عقلناه: أي: ما أدركته عقولنا وفهمته، وما لم تدركه عقولنا ولم تفهمه، فالواجب الإيمان بجميع هذا، ولا يوقف الإنسان إيمانه بما أخبر الله به ورسوله على إدراك العقل وفهمه، فإن العقل قد يحار في إدراك خبر من الأخبار أو إدراك أمر من الأمور، لكنه لا يجوز له أن يتوقف في إيمانه بذلك، بل يجب عليه أن يؤمن بما أخبر الله به ورسوله.
والشريعة تأتي بما يحار فيه الإنسان، لكنها لا تأتي بما تحيله العقول، أي: تتحير في إدراكه وكيفية وحقيقته، فلا يمكن أن تأتي الشريعة بما تحيله العقول، أي: بما تمنعه العقول وتقول إنه مستحيل.
فيجب الإيمان بما أخبرت به الشريعة، سواء أدركنا ذلك بعقولنا أم لم ندركه، يعني: أدركنا حقيقته بعقولنا أو لم ندرك ذلك.