يقول رحمه الله: (فعال لما يريد) الإرادة هنا: المقصود بها الإرادة الكونية، وإنه لمن المهم لمن أراد أن يفهم باب القدر أن يميز بين نوعي الإرادة، النوع الأول: الإرادة الكونية، وتسمى الإرادة الخلقية، وهذه الإرادة الكونية الخلقية تعني كل ما يقع في هذا الكون، فالإرادة الكونية يحصل بها كل شيء في الكون من خير وشر، من أمر البشر ومن أمر غيرهم، فكل ما يجري في الكون مندرج تحت الإرادة الكونية، من خير وشر من صلاح وفساد من حوادث ووقائع في السماوات والأرض وفي البشر وغيرهم، فهي الإرادة الشاملة المحيطة لكل الوقائع في الكون، وهي التي يقصدها العلماء في قولهم: ما من شيء إلا بإرادة الله ومشيئته.
فمقصود العلماء بهذا: كل شيء، وكل ما يقع في الكون؛ ولذلك قال المؤلف: (لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته) ، فالمشيئة هنا والإرادة هي الإرادة الكونية التي تنتظم جميع الحادثات والكائنات بلا استثناء، هذا النوع الأول من الإرادة، وهذا النوع من الإرادة هل يتعلق بمحبة الله عز وجل؟
صلى الله عليه وسلم لا يتعلق بالمحبة، يعني: لا يلزم من هذا أن يكون مما يحبه الله سبحانه وتعالى، فليس كل ما يقع في الكون محبوباً له، لكنه ما من شيء في الكون إلا وهو مراد له جل وعلا، فصلاح الصالحين، وفساد المفسدين وما إلى ذلك من وقائع الدنيا هي كلها مندرجة تحت إرادته الكونية له سبحانه وبحمده.
ولذلك لما قال أحد المبتدعة لأحد العلماء: سبحان من تنزه عن الفحشاء.
سجع به هذا المبتدع في مجلس أحد العلماء، يريد بهذا أن ما يقع من الشر والفساد في الدنيا ليس من إرادته سبحانه وبحمده، فماذا أجابه العالم المدرك لمعنى ما يقول هذا المبتدع؟ قال: سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء.
أيهم أعظم إجلالاً لله عز وجل؟ الثاني، لأنه إذا كان الله جل وعلا المالك، فإنه لا يسوغ أن يكون في ملكه ما لم يرد، لكن لا يلزم من أن يكون جميع ما في ملكه محبوباً له، فإن الزنا والسرقة وفساد المفسدين وترك التاركين للتوحيد والواجبات الشرعية لا يحبه ولا يرضاه، ومع ذلك فهو جل وعلا يقدره لحكمة بالغة، فهو مما يريده الله عز وجل الإرادة الكونية الخلقية التي تنتظم جميع الكائنات والحادثات، ولا يخرج عنها شيء من خلق الله عز وجل.