يبقى تنبيه مهم: أنه على القول بالثالث، وهو أن أهل المحشر جميعهم يرون الله مسلمهم وكافرهم، لا يسوغ أن يطلق بأن الكفار يرون الله، فلا يسوغ أن يأتي أحد ويقول: الكفار يرون الله؛ لأن إطلاق الرؤية يقتضي التكريم والتنعيم، ورؤية الكفار لله عز وجل ليست رؤية إكرام وتنعيم، فلا يسوغ هذا الإطلاق؛ لأن الإطلاق يوهم الإنعام والتكريم، وأفضل النعيم هو نعيم أهل الجنة، فلا يسوغ إشراك الكفار فيها، أو تسويتهم بأهل الإيمان.
الوجه الثاني الذي يمتنع به الإطلاق: أنه ما ورد في الشريعة من الأحكام العامة كقول: الله خالق كل شيء، إذا كان يلزم من تخصيصه نقص فإنه لا يسوغ التخصيص، وكذلك إذا كان يلزم من التخصيص معنى قبيح فإنه لا يسوغ التخصيص، مثاله كما قلنا: الله خالق كل شيء، هل يسوغ للإنسان أن يقول: الله خالق الكلاب، أو يدعو فيقول: يا خالق الكلاب! ارزقني؟ لا يسوغ، لماذا لا يسوغ مع أن الله خالق كل شيء ومن ذلك الكلاب؟ لأن مثل هذا يوهم معنى قبيحاً، والحكم العام إذا كان تخصيصه يقتضي معنى قبيحاً فإنه لا يسوغ أن يأتي به الإنسان.
مثله أيضاً: الإرادة، فما من شيء في الكون إلا أراده الله تعالى، ولكن لا يسوغ للإنسان أن يقول: يا مريد الزنا! ارزقني العفاف؛ لأن الإرادة وردت عامة في كل شيء، فتخصيصها إذا كان يترتب عليه إيهام معنى قبيح فإنه لا يجوز التخصيص.
مثاله الرؤية، جاء الخبر بأنه ما من أحد إلا سيرى الله: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) ، وهذا من الأدلة التي استدل بها القائلون بأن الكافرين يرون الله في المحشر، وفي رواية: (ما منكم أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) قالوا: إن هذا يلزم منه أنهم يرونه في المحشر حتى الكفار، فإذا ورد النص المطلق فلا يسوغ أن نخصص ونقول: يراه الكفار يوم القيامة، وذلك للمعنى الأول الذي ذكرناه؛ ولأن التخصيص يوهم معنى قبيحاً، فلأجل هذين المعنيين منع أهل العلم من إطلاق إضافة الرؤية للكفار، بل لابد من التخصيص، يقال: يرونه في المحشر ثم يعذبون بالاحتجاب أو ما أشبه ذلك من التقييدات.