"يا سائلي" والسؤال من قبل المتعلم مأمور به في قوله -جل وعلا-، {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] والجواب من العالم مطلوب، والكتمان مع القدرة على الجواب لا يجوز، لا سيما إلا تعين؛ فالسائل المتعلم سواء كان عامياً أو في حكمه من آحاد المتعلمين مأمور به، فالله -جل وعلا- يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر} والمراد بأهل الذكر هم أهل القرآن وأهل العلم، وليس المراد بهم كما يقول بعض المتصوف الجهال الذين لا علم عندهم يقولون: المراد بأهل الذكر هم من يلزم الذكر ولو لم يكن عنده علم، ثم ما هذا الذكر الذي يلزمونه؟ أذكار مبتدعة مخترعة لا توجد في كتاب ولا سنة، ويريدون أن ينزلوا الآية عليهم، فاسألوا أهل هذه الأذكار الذين هم أشبه بالدراويش لا يدرون ما يقولون، ولكن المراد بالذكر القرآن، وأهل القرآن هم أهل العلم.
"يا سائلي" هذا بالنسبة للسائل لا بد أن يسأل ما يشكل عليه، يحتاج إلى الإيضاح والبيان، يسأل أهل العلم وأهل الذكر، والمسئول أيضاً إذا تعين عليه الجواب لا يجوز له أن يتردد في الجواب، نعم إذا وجد من يكفيه المئونة، ويجيب على أسئلة السائلين فالتدافع، تدافع الفتوى معروف ومأثور عن السلف، أما إذا تعين الجواب عليه بحيث لا يوجد من يحسن الجواب على هذا السؤال سواه لا يجوز له أن يكتم ((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) وهذا الخبر لا يسلم من مقال، لكن له أصل بلا شك، يعني منهم من يحسنه، فإذا تعين لا بد من الجواب، أما إذا وجد من يكفيه المئونة فالصحابة تدافعوا الجواب، وقد جاء كما في كتاب المناسك في صحيح مسلم رجل يسأل ابن عمر -رضي الله تعالى وأرضاه- فدله على ابن عباس، قال: اذهب إلى ابن عباس، فقال له: أنا أريد جوابك؛ لأن ابن عباس قد مالت به الدنيا ومال بها، يعني أنه توسع في المباحات بخلاف ابن عمر، فزهده معروف، والعامة يحسنون الظن بالعالم الزاهد، العوام يحسنون الظن كثيراً بالعالم الزاهد، وهو محل إحسان الظن إذا كان لديه علم، أما العالم الذي عنده تعلق بالدنيا فإن العامة ينصرفون عنه في الغالب، وإن كان عنده علم.