النَّار لاشك أنه لم يقل هذه الكلمة كَذِباً، ولم يقلها غير عالِمٍ بمعناها مطلقاً، ولم يقلها نِفَاقاً، بل كان فيها مخلِصَاً، لكنَّ الذي معه من العلم بمعناها، والإخلاص في قولها، والمحبة لها، لم يبلغ به المرتبة التي بلغها أهلُ الإيمان الكامل الذين نجاهم الله بكمال إيمانهم وتوحيدهم من النار، فلم يتعرضوا للعذاب.
فلابد من ملاحظة هذا المعنى، وأنَّ هذه المعاني التي يَعُدُّها العلماءُ شروطاً هي متحقِّقة لكلِّ أهلِ التوحيد الذين ينفعهم توحيدهم في الخروج من النَّارِ، إلا أنهم متفاوتون في تحقيق هذه المعاني، فالكُمَّل منهم يكون توحيدهم مانعاً لهم من دخول النار مطلقاً.
إذًا فقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حَرَّمَ على النَّار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله» معناه مَن قالها على الوجه الأكمل، وقد تحققت فيه شروط التوحيد المأخوذة من سائر النصوص، وقد عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتابه «التوحيد» باباً بهذا المعنى فقال: (بابٌ مَن حَقَّقَ التوحيدَ دَخَلَ الجنَّة بغيرِ حِسَابٍ ولا عَذَاب).
فمن كَمَلَت له هذه المعاني في قلبه لابد وأن يظهر أثرُها على جوارحه فِعْلاً وأداءً للفرائض واجتناباً للمحرمات، فالتوحيد الكامل يمنع صاحبه من الإصرار على شيء من الذنوب، فالموحِّد قد يقع في الذنب لكونه غير معصوم، لكنه لا يُصِرُّ عليه؛ لأنَّ كمال إيمانه وتوحيده يمنعه من الإصرار عليه؛ لأن في قلبه من خوف الله ورجاء ثوابه ما يوجب له الفزع إليه، والرجوع إليه سبحانه وتعالى.
فهذه جملةُ أجوبةِ أهلِ العلم عن هذه الأحاديث، وهي متفقةٌ في المآل، فأهل السنة والجماعة متَّفقون على أن هذه الأحاديث ليست على ظاهرها الذي يدَّعيه ويتعلَّق به المرجئة، أو يفهمه المغرورون من جهلة أهل السنة مثلاً، كما سبقت الإشارة إليه.
وهناك جوابٌ خامسٌ، ذَهَبَ إليه الإمامُ البخاريُّ (?)، وهو حمل هذه