الأحاديث هو أن التوحيد سببٌ مقتضٍ لدخول الجنة والنجاة من النار، بل هو السبب الأعظم، ولكنَّ أيّ سببٍ يتوقف حصول مُسَبَّبِه على وجود الشروط وانتفاء الموانع.

وعلى هذا فالتوحيد لا يتحقق مقتضاه بالنجاة من النار مطلقاً ودخول الجنة من أوَّل وَهْلَة إلا بوجود شروط وانتفاء موانع.

وذلك أن هذا مشروط بفعل الفرائض واجتناب المعاصي، جمعاً بين الأدلة؛ لأنَّ نصوص الوعيد مستفيضة في الكتاب والسنة؛ فقد ورد في القرآن الوعيد على كثير من الذنوب؛ كالربا، وقتل المؤمن، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، فكل هذه الذنوب قد ورد الوعيد عليها في القرآن، فلا يجوز إهدار هذه النصوص وإبطال دلالتها تَمَسُّكَاً بهذه الأحاديث المحتَملة المطلقة، فلابد إذاً من رد النصوص بعضها إلى بعض والجمع بينها، إما بحمل المطلق على المقيَّد، أو العامِّ على الخاصِّ، كما هو معروفٌ ومقرَّرٌ في علم الأصول.

ثم ذكر المؤلِّف رحمه الله -في هذا المقطع- جواباً ثالثاً عن هذه الأحاديث، وهو قول طائفة من العلماء، وهو أن هذه الأحاديث إنما وردت قبل نزول الفرائض والحدود، ونسبَ المؤلِّفُ هذا القول إلى الزهري، وسفيان الثوري، ونُسِبَ أيضاً إلى سعيد بن المسيب وغيرِه -رحمهم الله-.

وهذا الجواب ضعيفٌ لا يصح، بل هو (بعيدٌ جداً) كما قال المؤلِّف؛ لأنَّ هذا القول معناه أن هذه النصوص قالها الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وهذا لا يستقيم أبداً؛ فإن الصحابة الكرام الذين رووا هذه الأحاديث وسمعوها ونقلوها كان ذلك منهم في المدينة، ومنهم من لم يُسْلِم إلا متأخِّرَاً كأبي هريرة رضي الله عنه، وفي بعض ما رواه ما يفيد بأنه قد سمعه مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأحاديث -كما أشار المؤلِّف- ما وقع في غزوة تبوك، وهي متأخرةٌ، في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذا القول إذاً غير مستقيم، ولا يصلح جواباً عن هذه الأحاديث (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015