ومثل ذلك أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس ...» إلى قوله: «إلا بحق الإسلام»، وفي اللفظ الآخر: «إلا بحقها»، فقاتل أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة محتَجَّاً بـ (أنَّ الزكاةَ حَقُّ المَالِ)، وكذلك بقية شرائع الإسلام، هي من حقوق شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، كل ذلك من حَقِّها.
فعُلِمَ من هذا كُلِّه بطلانُ مذهبِ المرجئة، الذين يقولون: إنَّه لا يضرُّ مع الإيمان ذنبٌ، وأنَّ قول «لا إله إلا الله» يوجب النجاة من النار.
فلابد من إعمالِ النُّصوص كلِّها، والذي يأخذ بعض النصوص، ويترك بعضاً، هو متبعٌ لهواه، بل لابد من ردِّ النصوص بعضِها إلى بعض، والجمعِ بينها، وهذا هو المنهج الحق الذي سار عليه أهل السنة، فجمعوا بين نصوص الوعد والوعيد، وفسَّروا بعضَها ببعض، فلم يُكَفِّرُوا بالذنوب كما فعلت الخوارج، ولم يُخرِجُوا من أصل الإيمان كما فعلت المعتزلة، احتجاجاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ..».
وفي المقابل لم يفعلوا فعل المرجئة، ويقولوا بقولهم من أنَّ التصديقَ بالقلب، ومعرفةَ الخالق، والنطقَ بكلمة التوحيد، أنه يكفي ويعصم من العذاب.
فالتوحيد وحده لا يعصم من العقوبة في الدنيا، فالصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مانعي الزكاة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» ومصداق ذلك قوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة:5]، فعُلِمَ أنه لا يُخَلَّى سبيلُهم بمجرد النطق بكلمة التوحيد من غير التزام بالشرائع.