فأفادت الآيات والأحاديث أنه لا يُكَفُّ عن قتال المشركين إلا بالتوبة من الشرك، ولا يكون ذلك إلا بالإتيان بالشهادتين، مع الالتزام بهاتين الشعيرتين العظيمتين (الصلاة والزكاة)، وبَقِيَّةُ الشعائر مثلُهما في وجوب الالتزام، ولكن جرى الاقتصار عليهما في هذه النصوص؛ لأنهما أعظم أركان الإسلام، ومَن التزم بهما فما بعدهما تَابِعٌ لهما.
ويُوَضِّحُ هذا المقام: ما جرى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مع عمر رضي الله عنه ومَن وَافَقَه في شأن مانعي الزكاة، حيث عزم أبو بكر على قتالهم واعترض عليه عمر، وقال له: كيف تقاتل مَن قال «لا إله إلا الله»، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» فَإِذَا قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُم وَأَموَالَهُم إِلاَّ بِحَقِّهَا»؟، فقال له أبو بكر رضي الله عنه قولتَه المشهورة: (وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بَينَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَو مَنَعُونِي عِقَالاً -أو عَنَاقَاً- كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلتُهُم عَلَى مَنعِهِ)، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَن رَأَيتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَد شَرَحَ صَدرَ أَبِي بَكرٍ لِلقِتَالِ فَعَرَفتُ أَنَّهُ الحَقُّ)، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة.
والمؤلِّف -رحمه الله- استنبط من هذا: أن التوحيد وحده لا يعصم من العقوبة في الدنيا، بل يباح معه قِتَالُ وقَتلُ من امتنع عن أداء فريضةٍ من فرائض الإسلام.
ومثل ذلك أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ يَشهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفسُ بِالنَّفسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلجَمَاعَةِ» (?)، فأحَلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَتلَ هؤلاءِ بإقامة ما أوجب الله عليهم من العقوبة، مع أنهم يشهدون شهادة التوحيد (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله).