ففي هذا الحديث جاء بشير بن الخصاصية رضي الله عنه لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، فاشترط عليه في المبايعةِ الالتزامَ بالشهادتين وسائرَ أركان الإسلام، وأضاف إليها الجهاد، فأبدى رضي الله عنه استعدادَه للمبايعةِ على كلِّ ما ذُكِرَ إلا الجهاد والصدقة -والمراد بها هنا: الزكاة-، فما كان من النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا أن قَبَضَ يدَه، وامتنعَ من مبايعته، وقال له: «لا جهاد ولا صدقة، فبِمَ تَدخُلُ الجنَّة إذاً؟!».
فتبين بهذا أن المقصود من هذه المبايعة أن يلتزم المسلم بهذه الأمور المذكورة، فمن امتنع أن يلتزم بالزكاة أو بالجهاد فمعنى هذا عدم قبوله لهاتين الشعيرتين، والفريضتين العظيمتين، و «الزكاة» وإن كانت فرض عين على من تحقَّقَت فيه الشروط، وكذلك «الجهاد» الأصل فيه أنه فرض كفاية، لكن لابد مع هذا من الالتزام بشرائع الإسلام كلها.
ولذا لَمَّا رأى بشيرٌ رضي الله عنه أنه لابد من المبايعة والالتزام بجميع ما ذُكِرَ من الشرائع، وأن «الصدقة» و «الجهاد» من الأهمية في الدِّين بمكان، راجَعَ نفسَه واستجاب لما عَرَضَ عَليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وبايع على الالتزام بكل هذه المذكورات.
وعلى هذا فمن دخل في الإسلام وعُرِضَت عليه شرائعه، وقال: أنا لا أقبل من الإسلام إلا كذا وكذا، فإنه لا يكون مسلماً حينئذٍ، بل لا بد أن يلتزم بشرائع الإسلام كلها, وذلك بالإيمان بها، وعَقْدِ العَزْم على القيام بها؛ لأن كثيراً من هذه الشرائع والواجبات لم يتهيأ القيام بها عند المبايعة، فالحج له وقت، والصيام له وقت، والجهاد يتوقف على وجود أسبابه، والصدقة أيضاً تتوقف على وجود المقتضي لها، وهو مِلكُ المال ومِلكُ النِّصَاب، ولكنَّ الأمرَ المتَحَتِّم في هذا المقام هو الالتزام بها، وذلك بالإقرار بوجوبها، وعَقْدِ العزم على القيام بها.
فعدم الالتزام ببعض شرائع الإسلام معناه عدم الإقرار بها، وعدم التفكير في عملها، ومثل هذا لا يكون مسلماً، لابد لمن أراد أن يدخل الإسلام أن يشهد الشهادتين ويلتزم ببقية الشرائع.