Q
ساق المؤلِّف رحمه الله جملةً من الأحاديث -كما تقدَّم- مما يدل على فضل التوحيد، وجزاء أهله، وذلك بتحريمهم على النار، ودخولهم الجنة، وأنهم لا يُحجَبُون عنها.
وقد ذكرتُ سابقاً أنَّ لهذه النصوص نظائرَ كثيرة، وهي -مع نصوص الوعيد- تعتبر من نوع المتشابه الذي يشتبه معناه ويخفى على بعض الناس، ولهذا وقع بسببها ما وقع من الافتراق والانقسام في فهمها على وجهها.
فَضَلَّ بهذه الأحاديث أهل الإرجاء، سواء كان هذا الإرجاء مُؤصَّلاً على اعتقاد في مفهوم الإيمان وحقيقته، أو كان من الشُّبَه التي يُلقيها الشيطانُ في نفوسِ بعضِ العصاة، وإن لم يكونوا ممن يعتقد مذهب المرجئة.
فكثيرٌ من عصاة أهل السنة -ممن لا يقولون أو يعتقدون أو حتى يعرفون مذهب المرجئة في الإيمان- إذا سمعوا مثل هذه الأحاديث ألقى الشيطان في نفوسهم التهاون بالمعاصي، وفهموا من ذلك أن معاصيهم لا تضرهم، وأن توحيدهم يمنعهم من العذاب، ويوجب لهم دخول الجنة، وهذا ولا شك جهلٌ واغترارٌ؛ جهلٌ بالمراد من هذه النصوص، واغترارٌ برحمة الله ومغفرته.
وهذا المعنى أيضاً ينسحب على الأحاديث الأخرى التي فيها أنَّ مَن فَعَلَ كذا دخل الجنة، أو مَن فعل كذا وقاه الله النَّار، من مثل حديث: «مَن صلَّى البَردَينِ دَخَلَ الجَنَّةَ» (?)، وحديث: «إن لله تسعةً وتسعينَ اسماً، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة» (?)، وحديث: «مَا مِنكُنَّ امرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِن وَلَدِهَا إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَاباً مِنَ النَّارِ» (?)، وحديث: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ» (?) ونحوها من الأحاديث.