والنوع الثاني: ظلمُ الإنسانِ نفسَه بالمعاصي، وهذا يفوتُ به من الأمن والهدى بحسب ما اقتَرَفَه العبدُ من معاصي.
والنوع الثالث: ظلمُ العبادِ في دمائِهم وفي أنفسِهم وأموالِهم وأعراضِهم، وهذا أيضاً يفوت به من الأمن والهدى بحسب ما اقتَرَفَ من ذلك.
فالنوعان الثاني والثالث لا يمنعان -مع التوحيد- من الأمن والهدى مطلقاً، وإنما الذي ينافي الأمن والهدى مطلقاً هو الشرك والكفر بأنواعه.
فلا بد من معرفة هذه الحقيقة؛ لأننا علمنا من النصوص أن الذي يقترف الذنوب على اختلاف أنواعها هو معرَّضٌ للعذاب، فليس من أهل الأمن التام، فلا يَرِدُ القيامةَ آمِنَاً كما قال تعالى: {أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة} [فصلت:40]، فالذي يأتي آمِنَاً يوم القيامة هو المؤمنُ الموحِّدُ الصَّادِقُ الذي قَدِمَ على ربِّهِ غير مُصِرٍّ على شيءٍ من الذنوب، ومن كان هذا حاله كان جزاؤه الأمن في ذلك اليوم {من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون} [النمل:89] آمِنٌ من الفزع، آمِنٌ من العذاب، آمِنٌ من النَّار.
وهذا المعنى ذكره الله تعالى في مواضع، ومن ذلك قوله في حقِّ أوليائه: {فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (?)، فهم يخافون في الدنيا لكن يوم القيامة يزول عنهم الخوف، وإن حصل في بعض المواقف خوفٌ عامٌّ، كما في حديث الشفاعة، وأنَّ الرُّسُلَ في ذلك اليوم يَتَرَادُّون الشفاعة ويمتنعون ويعتذرون، كلُّ واحدٍ منهم يقول: «إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، نفسي نفسي نفسي» (?)، هذا خوفٌ عامٌّ يحدث لسائر الخلق، حتى الأنبياء والرسل، لكن لهم الأمن الذي تزول معه تلك المخاوف.