فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقادَ هو الشرك الذي نزل فيه القرآن وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ عليه؛ فاعلم أن شركَ الأولين أخفُّ من شرك أهل زماننا بأمرين.
أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدعاء كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً} .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحوائجهم إلى الله كما قال عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} .
(فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد) وقد يسمونه التوسُّل (هو الشرك) الأكبر الذي كان عليه قريش وأضرابهم (الذي نزل فيه القرآن وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ عليه) وتحقَّقت ما قدمته لك من كشف الشبه المتقدمة (فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين) فشركُ أهل زماننا أعظم وأكبر. وكونُ شرك أهل زماننا أغلظ وأكبر بهذين الأمرين ليس دليلاً على أنه لا يتغلظ إلا بهذين الأمرين، بل يريد أنه تغلظ بهذين الأمرين (أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدعاء) وإنما كان هذا حال المشركين الأولين؛ لأنهم أصح عقولاً وأفهم في هذه الأمور؛ لعلمهم أنه لا ينجي في المضايق والكروب إلا الله فيخلصون لله الدين، ولهذا لما سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم