ثم قال رحمه الله: [وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده] الضمير في قوله: (وهو) المراد به توحيد العبادة، دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده، فالله سبحانه وتعالى أرسل الرسل إلى عباده بإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، ودليل هذا قول الله جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] ، (لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا) أي: لا إله إلا الله، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، وهي تقتضي إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وأيضاً قال جل ذكره: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل:2] ، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيحين: (الأنبياء إخوة لعلات: أمهاتهم شتى، ودينهم واحد) ، فهذا يدل على وحدة الرسالة، وأن الرسل جاءوا جميعاً بتقرير توحيد الإلهية، وبدعوة الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده دون غيره.
قال الشيخ رحمه الله: [فأولهم نوح عليه السلام] ، ودليل أوليته قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] ، فهذه الآية تشير إلى أن أول من أوحى الله إليه من الرسل هو نوح عليه السلام، وأصرح من هذا في الدلالة على أولية رسالة نوح عليه السلام ما في الصحيحين من حديث أنس وغيره في حديث الشفاعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء؛ فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي، ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض) ، وفي رواية مسلم قال: (فيأتون نوحاً ويقولون: أنت أول الرسل إلى الأرض) ، وكل هذا صريح بيّن في أن أول الرسل نوح عليه السلام.