ثم ذكر رحمه الله: ثالثة الفوائد التي تؤخذ من هذه القصة، وتفيد أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظاً شديداً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم غلظ الأمر فقال: (سبحان الله! قلتم كما قال قوم موسى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) والذي نفسي بيده! لتركبن سنن من كان قبلكم) ، وهذا فيه أعظم تغليظ على هؤلاء السائلين، والتغليظ -أيها الإخوة- هو هدي المتقدمين في مسائل التوحيد، فإن حذيفة رضي الله عنه عندما رأى على رجل خيطاً من الحمى نزعه ثم قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] ، وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه عشرة رجال يريدون أن يبايعوه صلى الله عليه وسلم، فبايع تسعة وترك واحداً كان على يده حلقة من صفر فقال: ما هذا؟ قال: من الواهنة، قال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، وإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً) ، وهذا فيه تعظيم الشرك، وذلك أن الشرك أعظم الظلم كما تقدم، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي الظلم أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك) .
فالواجب علينا -أيها الإخوة- التغليظ في هذا الأمر، ولكن لا يعني هذا أن يغلظ على من كان معتاداً على هذا الأمر، وليس في باله أن هذا الأمر محرم أو منكر، بل ينبغي سلوك الحكمة في ذلك، فمن الناس من يغلظ عليه خاصة في بلاد التوحيد، وفي البلاد التي يكون دعاة التوحيد فيها ظاهرين، فيتكلمون ويعلمون الناس التوحيد، فهؤلاء يُغلظ عليهم، كما غلظ الرسول على الصحابة، وكما غلظ موسى على قومه، أما في البلاد التي ليس فيها أهل توحيد، والشرك فيها هو المنتشر، وعلماء السوء هم الظاهرون في الدعوة إلى الشرك وتسويغ الشرك ودعوة الناس إليه، فيكون من المناسب في هذه الحال أن يسلك الإنسان سبيلاً قاصداً، ومن الحكمة أن يدعوهم بأسلوب هادئ، يشرح لهم ويبيّن لهم خطورة الأمر، ويسرد لهم الأدلة من الكتاب والسُنَّة الدالة على أن هذا من المحرمات وأن هذا من الشرك.
فالواجب علينا أن نفعل ما هو مناسب، فبالنسبة لمن كان بين ظهراني أهل التوحيد وأهل الدعوة السلفية الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة؛ فهذا ينبغي أن يشدد عليه ويغلظ؛ لأن هذا من تقصيره وتفريطه، أما من كان بين ظهراني المبتدعة، وكان بين علماء السوء الذين يسوغون الشرك ويدعون إليه، فسلوك السبيل المناسب هو الأولى وهو الأحسن.