وأجاب الشيخ فقال رحمه الله: (فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته) هذا فيه إبطال لشبهته، والآن نأتي للرد على ما اعتمد عليه في وقوع الشرك، بعد أن قررنا أن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم نرد عليه من جهة تعلقه بهذه الشفاعة، وأن إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم لا يسوغ التوسل به، ولا صرف أنواع العبادة له صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: (لكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [الزمر:44] ) هذا فيه إثبات الشفاعة لله سبحانه وتعالى، وأنها ملكه، وأنها له دون غيره، وهذا يُبيّن لك أن الشفاعة محض فضل من الله سبحانه وتعالى على الشافع والمشفع فيه، لا كما يفهمها المشركون من أنها حق للشافع؛ ولذلك قال تعالى: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) فإذا كانت الشفاعة له سبحانه وتعالى، وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه، فيأذن للشفيع ويأمره أن يشفع في المشفوع فيه؛ علمنا بذلك أنه لا وجه لسؤالها من الشفيع، بل الواجب أن تطلب وتسأل من الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال رحمه الله في بيان معنى أنها له سبحانه وتعالى: (ولا تكون إلا من بعد إذن الله) فهي لا تكون إلا من بعد إذنه وأمره كما قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] فنفى الله سبحانه وتعالى أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وهذا أحد شرطي الشفاعة، وهو: إذن الله سبحانه وتعالى، والثاني: لا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال الله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] وهذا فيه الشرط الثاني من شروط الشفاعة، وهو: رضا الله سبحانه وتعالى عن الشافع والمشفع فيه.
ثم قال رحمه الله: (وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] ) وأظهر من هذه الآية في الدليل على أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد ما روي في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه) ، فيكون أسعد الناس وأحظهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل التوحيد.
ثم قال رحمه الله: (فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله) فبالتالي إذا كانت الشفاعة كلها لله تعالى فهل يسوغ طلبها من غيره؟ لا.
ثم قال رحمه الله: (فأطلبها منه، فأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفِّعه فيَّ، وأمثال هذا) وفي هذا غاية التوحيد والإقبال على الله تعالى والإخلاص، فإن بيده الخير ولا يُسأل إلا منه.