ثم قال الشيخ رحمه الله: [ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله] ، وفسر هذه الوساطة بقوله: [يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين] ، فهؤلاء زعموا أن بين الخلق وبين الله وسائط، والوسائط نوعان: نوع لابد من إثباته، ونوع جاء الشرع بإبطاله ونفيه، أما النوع الأول: فهم الرسل الذين يبلغون رسالات الله، ويدلون على طريق التعبد لله، ويبينون للناس معبودهم، فهؤلاء لابد منهم، ولا تقوم الحياة إلا بهم؛ ولذلك بعث الله سبحانه وتعالى الرسل إلى كل أمة فقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} [النحل:36] ، فكل أمة محتاجة إلى هذا النوع من الوساطة التي يحصل بها تبليغ الدين، وتعريف الناس بحق الله سبحانه وتعالى، وما يجب له من العبادات، وما يجب له من الأسماء والصفات والأفعال، وحق هؤلاء الوسطاء أن يطاعوا ويتبعوا ويقتدى بهم، لا أن تصرف لهم أنواع العبادة.
أما النوع الثاني من أنواع الوسائط: فهو الذي ذكره الشيخ رحمه الله هنا في قوله: [ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله يقولون: نريد منهم التقرب] وبهذا نفهم أن المشركين لم يكونوا يعتقدون في هذه الوسائط أنها تخلق من دون الله، ولا أنها تملك من دون الله، ولا أنها تدبر من دون الله، إنما كانوا يعتقدون أن هذه الواسطة وسيلة يتوصلون بها إلى مقاصدهم، ويعتذرون بقولوهم: نحن ليس لنا عند الله جاه، وليس لنا عند الله مكانة، فنسأل الله بمن له جاه عنده، وبمن له مكانة عنده، فوقعوا في الشرك، وهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] فإنهم اتخذوا هؤلاء الأولياء ليقربوهم إلى الله زلفى.