هناك أدلة كثيرة لقاعدة المتابعة والشواهد، منها: إتباع الجنازة، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) فالذين سمعوا الحديث من أبي هريرة جاءوا إلى ابن عمر فقالوا: يا ابن عمر: أما رأيت ما قال أبو هريرة؟ قال: ما قال؟ فأخبروه بما قال، فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة، يعني: كأنه يقول: إن أبا هريرة يوهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه يعلم أن أبا هريرة من الثقة بمكان، وقد أنزل الله عدالته من فوق سبع سماوات، وهو أروى الناس عن رسول الله، فقال ابن عمر: (اسألوا غيري فسأل عائشة وسأل غيرها: هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اتبع جنازة حتى تدفن فله قيراطان من الأجر؟ قالت: صدق أبو هريرة فيما قاله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك) فقال ابن عمر لقد فرطنا في قرارات كثيرة.
فهذه دلالة على إتقان الصحابي الذي يوافقه آخرون من الصحابة في الرواية، ووهم من لم يوافقه غيره.
وكذلك روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اقتنى كلباً فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية) فـ ابن عمر كان يحفظ الحديث هكذا: (من اقتنى كلباً نقص من أجره قيراط إلا كلب صيد أو ماشية) فـ ابن عمر استغرب من ذكر الحرث من أبي هريرة فقال: إن أبا هريرة صاحب زرع، فهذا ليس توهيماً لـ أبي هريرة وإنما موافقة له، أي: أن أبا هريرة خفظ ذلك؛ لأنه صاحب زرع، فـ ابن عمر لم يشك في أبي هريرة؛ لأنه يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وأبو هريرة لا يمكن أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
مثال آخر: وهو عدة المتوفى عنها زوجها، فقد اختلف في ذلك ابن عباس وأبو سلمة بن عبد الرحمن فقال ابن عباس: أبعد الأجلين، فقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: إن عدتها أن تضع حملها، فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي، فأرسلوا إلى أم سلمة فقالت: (إن سبيعة الأسلمية كانت حاملاً وتوفي عنها زوجها، فوضعت بعد موته بفترة قصيرة، فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم الزواج بعد أن وضعت حملها).