قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة).
وفي صحيح البخاري عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، حلت له شفاعتي يوم القيامة).
فقد رغب المسلمين في أن يسألوا الله له الوسيلة، وبين أن من سألها له حلت له شفاعته يوم القيامة، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، فإن الجزاء من جنس العمل].
هذا كله من باب الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، سواء الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، أو طلب الوسيلة له، وأن يبعث في المقام المحمود.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة بأنها درجة في الجنة، وبعضهم قال: يدخل فيها ما دون ذلك من الأمور التي ميزه الله بها.
أما المقام المحمود فقد فسر بتفسيرين: أولهما: أن المقصود بالمقام المحمود شفاعته صلى الله عليه وسلم للخلائق أن يفصل الله بينهم يوم القيامة، ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة بأن يدخلوها، وقد جاء تفسيره في النص الصريح بأنه هو المقام المحمود.
وفسر بعض السلف المقام المحمود بصورة أخرى، وهو ما ورد في بعض الآثار من أن الله عز وجل يجلس نبيه على العرش، وهذه مسألة قال بها بعض السلف وأنكرها آخرون، فبعضهم جعلها مسألة من مسائل العقيدة والأصول، وبعضهم جعلها من الأمور التي تحتاج إلى تحقيق ونظر، وبعضهم أنكرها، وعلى هذا فإن تفسير المقام المحمود بالشفاعة العظمى هو التفسير القاطع الذي لا شك فيه، لكن هل من المقام المحمود أن الله يجلس نبيه على العرش؟ هذه المسألة لا يمنع منها العقل، بعض الناس يستهولها عقلاً، ويقول: كيف يكون على العرش؟ فنقول: العرش مخلوق والرسول صلى الله عليه وسلم مخلوق، والله عز وجل يقدر ما يشاء ويفعل ما يشاء، لكن لا يلزم من هذا أن يقف الإنسان عند ما يتخيله خياله من لوازم تتعلق باستواء الله على عرشه، فالله ليس كمثله شيء، والله قادر على أن يفعل ذلك، كما أن الله عز وجل رفع مقام النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج إلى أن وصل سدرة المنتهى، ووصل إلى مقام لم يصله أحد قبله من الخلق، ولن يصله أحد بعده، قادر على أن يجلسه على العرش كما يليق بفعل الله عز وجل، وليس ذلك بممتنع، لكن أقول: إن هذه المسألة ليست متفقاً عليها عند السلف، بل بعضهم عدها من غرائب الأقوال.
والله أعلم.