قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [والمقصود هنا أن من أعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان، كإخبار عن غائب أو أمر يتضمن قضاء حاجة ونحو ذلك، فإذا شاهد أحدهم القبر انشق وخرج منه شيخ بهي عانقه أو كلمه، ظن أن ذلك هو النبي المقبور أو الشيخ المقبور، والقبر لم ينشق وإنما الشيطان مثل له ذلك، كما يمثل لأحدهم أن الحائط انشق وأنه خرج منه صورة إنسان، ويكون هو الشيطان تمثل له في صورة إنسان وأراه أنه خرج من الحائط.
ومن هؤلاء من يقول لذلك الشخص الذي رآه قد خرج من القبر: نحن لا نبقى في قبورنا، بل من حين يقبر أحدنا يخرج من قبره ويمشي بين الناس.
ومنهم من يرى ذلك الميت في الجنازة يمشي ويأخذه بيده إلى أنواع أخرى معروفة عند من يعرفها].
هذه صور عبدة شياطين الجن والإنس ونحوها، هذه الصور موجودة حتى الآن بين طوائف من أهل الضلال الطرقية، وهي في الطرقية أكثر من غيرهم من أصحاب المخرقات والشعوذة وأصحاب البدع، ولا يظن أحد أنها مقصورة على بعض العهود أو أنها اشتهرت في عهد شيخ الإسلام وقبله، أو أنها خفت الآن أو زالت، نعم قد تكون زالت في بعض البيئات، لكنها زادت في بيئات أخرى، وقد يترفع عنها الناس في بعض البلاد إما لقوة إيمانهم ورجوعهم إلى السنة، وإما لعدم تعلقهم بهذه الصور، وكثير من المثقفين وغيرهم قد لا يعرفون هذه الصور ويستنكرونها؛ لأنهم لا يباشرونها ولو باشروها لحدثت لهم؛ لأنهم ليس عندهم من الإيمان واليقين ما يعصمهم، ومع ذلك لا تزال هذه الصور موجودة وأمثلتها حية في أناس نسمع بهم ونسمع منهم، وفي كثير من البلاد تتعدى المسألة إلى أكثر من ذلك، قد تكون هناك البلاد التي تحدث فيها هذه البدع، حيث يكون هناك كثيرون من أهل التصوف والبدع لا تحدث منهم هذه الأمور الكبار؛ لكنهم يعتقدون في الأولياء الأحياء والأموات أن لهم نفعاً أو ضراً، وقد وصل الأمر إلى اعتقاد أنهم يرونهم يخرجون من قبورهم أو أنهم يكلمون فلاناً أو يحضرون الحضرات أو غيرها، قد يكون عامتهم أو جمهور الغوغاء من هذا النوع لا يصلون إلى هذا الحد من التصور، لكن مع ذلك لا يزالون يتعلقون بالأشخاص من حيث اعتقادهم أنهم ينفعون أو يضرون واعتقاد أن لهم تصرفاً بأحوال العباد، وقد حدثني ثقة ومعه من شهد له بذلك ممن تاب ورجع عن هذه الأمور يقول: كنا في بلاد ما من بلاد المسلمين ولا زال أصحابنا الذين لم يتوبوا من هذا المسلك، يقول: كنا نعتقد أن الولي يملك أن ينفع الإنسان في كثير من أموره أو يضره، وأنه يلزم له لجلب النفع أو دفع الضر أن يقدم أشياء ويعمل أشياء تجاه هذا الولي، فيقول مثلاً: كنا نزرع فلا نبذر البذر حتى نأتي إلى الولي نستأذنه ونقدم له صدقة، فإذا استأذناه بذرنا البذر ثم نأتي له لنضمن نبات الزرع فإذا نبت الزرع واستوى واشتد جئنا له لنضمن حصاده من غير آفة فقدمنا له مع العبارات والشركيات أشياء من أغلى ما نملك.
ويقول: والعجيب أن من لم يفعل ذلك من الأتباع والمريدين يتضرر زرعه، وتتضرر أنعامه وغنمه، ويتضرر ماله وتجارته قد وكلهم الله إلى ما اعتقدوه؛ يقول: إلا من تاب وتخلص فإن الله عز وجل يحميه ويعصمه.
يقول: جربنا تجارب كثيرة أن من يكسل عن الذهاب للشيخ أو لا يواظب على هذه الطريقة بشكل منتظم يرضي الشيخ عنه تضرر ماله وتضررت أحواله وحصل له من العوائق والموانع ما يجعله يأتي راغماً إلى هذا الشيخ فيدعوه من دون الله، ويقدم له الضرائب.