قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [وعند المشركين عُبّاد الأوثان ومن ضاهاهم من النصارى ومبتدعة هذه الأمة في ذلك من الحكايات ما يطول وصفه، فإنه ما من أحد يعتاد دعاء الميت والاستغاثة به نبياً كان أو غير نبي إلا وقد بلغه من ذلك ما كان من أسباب ضلاله، كما أن الذين يدعونهم في مغيبهم ويستغيثون بهم فيرون من يكون في صورتهم، أو يظنون أنه في صورتهم ويقول: أنا فلان، ويكلمهم ويقضي بعض حوائجهم، فإنهم يظنون أن الميت المستغاث به هو الذي كلمهم وقضى مطلوبهم، وإنما هو من الجن والشياطين.
ومنهم من يقول: هو ملك من الملائكة، والملائكة لا تعين المشركين، وإنما هم شياطين أضلوهم عن سبيل الله.
وفي مواضع الشرك من الوقائع والحكايات التي يعرفها من هنالك ومن وقعت له ما يطول وصفه].
هذا الأمر إذا استصحبناه في مثل هذه الأمور نجد أن الحق فيه واضح، وأن اللبس الذي يحدث عند الجهلة وأهل البدع والذين يقعون في الشركيات ناتج عن عدم فقههم في دين الله عز وجل، وعن الجهل بهذه القاعدة، وهي قاعدة أنه ليس كل ما يحدث من الخوارق كرامات؛ هذا شيء.
الشيء الآخر: أن هذه الأمور الخارقة التي تحدث إذا حدثت وصاحبها متلبس ببدعة فلا يمكن أن تكون خيراً، فإن هذا اللبس لا يكون؛ لأن الدين مبني على البيان والوضوح والحق، فهذه الأمور الملتبسة التي تحدث لأصحاب الشركيات والبدعيات لا يمكن أن تكون من باب الكرامات ولا يمكن أن تكون من ملائكة، ولا يمكن أن تكون أيضاً من الصالحين، فلا أحد من الصالحين خرج على هؤلاء وتصور لهم، ولا أحد من الملائكة يحدث منه ذلك، فكل هذه الأفعال إذاً أفعال شياطين قد يقولون: لماذا؟ نقول لهم: أولاً: لأن هذه الأفعال مضادة لأصول التوحيد، وأصول العبادة لله عز وجل.
وثانياً: أنها مبنية على تصرفات ليست من جنس أفعال الملائكة ولا من جنس أفعال الأولياء، ثم إنها لم تحدث لأهل الاستقامة الذين سلموا من البدع فإذاً: لا شك أنها من عمل الشياطين ومن عمل الجن وليست من عمل الملائكة، وهي من باب الابتلاء، وليس كل خارق للعادة يكون معناه التأييد والنصر، أو يكون معناه العون لمن حدث له، بل يكون ابتلاء ويكون من عبث الشياطين والجن.
أحياناً الكرامة تكون ابتداءً كرامة لكن يبدأ بها الابتلاء، فصاحب الكرامة قد تحدث له على وجه صحيح، لكنه إذا أدخل عليها ما لا أصل له في الشرع أو عمل تجاهها ما لا أصل له في الشرع كأن يغتر بها أو يظنها دليلاً على الصلاح في المآل، أو أنها بالضرورة تأييد لما عليه من عمل دون اعتبار لقواعد الشرع وأصوله؛ إذا حدث هذا فإن الإنسان قد يستدرج من الكرامة إلى المخرقة والخوارق، ثم إلى عبث الشياطين.
فالشاهد أن هذه الأمور التي ذكرها الشيخ مما يحدث عند قبور الأولياء والمشاهد والآثار، وفي تصرفات هؤلاء الممخرقين، ليست على الحق بالضرورة إلا إذا كانت على قواعد الشرع، وقواعد الشرع تقتضي ألا يحدث مثل هذا بشكل سافر ومتكرر يبتلى به الناس حتى يعتمدون عليه ولا يعتمدون على الله عز وجل.
أقول هذا لأننا نسمع من كثير من الذين يقعون في هذه الأمور يجعلون هذه الخوارق دليلاً على أنهم على استقامة، وأنهم مؤيدون من قِبل الأنبياء والأولياء، وما دروا أن الذين يتصورون لهم بهذه الصور ليسوا أنبياء ولا أولياء إنما هم شياطين وجن فيحتاج الأمر إلى مزيد تجلية وتقعيد.