قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي هذا الباب من الوقائع ما يضيق هذا الموضع عن ذكره، وهي كثيرة جداً، والجاهل يظن أن ذلك الذي رآه قد خرج من القبر وعانقه أو كلمه هو المقبور أو النبي أو الصالح وغيرهما، والمؤمن العظيم يعلم أنه شيطان ويتبين ذلك بأمور: أحدها: أن يقرأ آية الكرسي بصدق، فإذا قرأها تغيب ذلك الشخص أو ساخ في الأرض أو احتجب، ولو كان رجلاً صالحاً أو ملكاً أو جنياً مؤمناً لم تضره آية الكرسي، وإنما تضر الشياطين، كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه لما قال له الجني: (اقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب).
ومنها: أن يستعيذ بالله من الشياطين.
ومنها: أن يستعيذ بالمعوذة الشرعية، فإن الشياطين كانت تعرض للأنبياء في حياتهم وتريد أن تؤذيهم وتفسد عبادتهم.
كما جاءت الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشعلة من النار تريد أن تحرقه، فأتاه جبريل بالمعوذة المعروفة التي تضمنها الحديث المروي عن أبي التياح أنه قال: (سأل رجل عبد الرحمن بن حبيش وكان شيخاً كبيراً قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: تحدرت عليه من الشعاب والأودية، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فرُعب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! قل، قال: ما أقول؟ قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما يخرج من الأرض ومن شر ما ينزل فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن، قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله عز وجل).
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عفريتاً من الجن جاء يفتك بي البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله عز وجل منه فذَعَتُّه أردت أن آخذه فأربطه إلى سارية من المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه، ثم ذكرت قول سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] فرده الله تعالى خاسئاً)].
الحديث هنا وردت فيه عبارة قوله: (فذعته) وقد فسّر أهل العلم الكلمة بمعنى قبضته أو خنقته، أو قبضته وخنقته.
وذكر النووي أنها وردت بالدال المهملة فدعته بمعنى: دفعته بقوة، والمعنى واحد.
ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد والرشاد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.