التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته مع الإيمان به

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتوسل بدعائه وشفاعته ينفع مع الإيمان به، وأما بدون الإيمان به فالكفار والمنافقون لا تغني عنهم شفاعة الشافعين في الآخرة.

ولهذا نهي عن الاستغفار لعمه وأبيه وغيرهما من الكفار، ونهي عن الاستغفار للمنافقين وقيل له: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون:6]، ولكن الكفار يتفاضلون في الكفر كما يتفاضل أهل الإيمان في الإيمان].

إذاً: لو كانت الوسيلة بيد النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً دون أن تقيد بإذن الله عز وجل وبشروطها لقبل استغفاره لمن لم يأذن الله له، لكن لما شرط قبول الاستغفار بشروطه الشرعية، صار الأمر لا يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما يرجع إلى إذن الله عز وجل، وإلى ما شرعه الله لرسوله.

والرسول صلى الله عليه وسلم لما نهاه ربه عن أن يستغفر للمشركين، التزم هذا الأمر فلم يستغفر لهم، ولم يأمر به ولم يشرعه، لا كما يفعل كثير من المبتدعة الذين لا يفرقون بين هذا وذاك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكن الكفار يتفاضلون في الكفر كما يتفاضل أهل الإيمان في الإيمان، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37]، فإذا كان في الكفار من خف كفره بسبب نصرته ومعونته، فإنه تنفعه شفاعته في تخفيف العذاب عنه لا في إسقاط العذاب بالكلية، كما في صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: (قلت: يا رسول الله، فهل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)، وفي لفظ: (إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك فهل نفعه ذلك؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح).

وفيه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منهما دماغه) وقال: (إن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه).

وكذلك ينفع دعاؤه لهم بألا يعجل عليهم العذاب في الدنيا (كما كان صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وروي أنه دعا بذلك: (أن اغفر لهم فلا تعجل عليهم العذاب في الدنيا)، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [النحل:61].

وأيضاً فقد يدعو لبعض الكفار بأن يهديه الله أو يرزقه فيهديه أو يرزقه، كما دعا لأم أبي هريرة حتى هداها الله، وكما دعا لدوس فقال: (اللهم اهد دوساً وائت بهم) فهداهم الله.

وكما روى أبو داود أنه استسقى لبعض المشركين لما طلبوا منه أن يستسقي لهم، فاستسقى لهم، وكان ذلك إحساناً منه إليهم يتألف به قلوبهم، كما كان يتألفهم بغير ذلك].

على أي حال في هذا المقطع لا يزال الشيخ يقدم لما سيفصله، ليبين بعض الصور الجائزة في التوسل والصور الممنوعة، وأن الصور التي ورد استثناؤها من القاعدة كشفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب لا يقاس عليها؛ لأنه لا يجوز القياس في أمور الغيب.

ثم إن هذه الشفاعة التي ستحدث لـ أبي طالب لا تكون في مصيره، إنما تكون فيما يتعلق بتخفيف العذاب عنه، ونعلم أن أهل النار تتفاوت درجاتهم فيها.

ثم إن هذه الصور التي تخرج عن القاعدة في ظاهرها صور محدودة جاءت عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.

أما الصور الأخرى التي ابتدعها أهل الأهواء وتوسعوا في مفهوم الشفاعة فيها، فهي من الباطل الذي يتعارض مع أصول الشرع، لأنها قول على الله بغير علم، والقول على الله من أعظم الذنوب.

والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015