قال رحمه الله تعالى: [وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم؛ لما كانوا من جنس عباد الأوثان صار الشيطان يضلهم ويغويهم، كما يضل عباد الأصنام ويغويهم، فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به، وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة، كما تخاطب الشياطين الكهان، وبعض ذلك صدق، لكن لابد أن يكون في ذلك ما هو كذب، بل الكذب أغلب عليه من الصدق.
وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم، وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه، فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك، أو يظن أن الله تعالى صور ملكاً على صورته فعل ذلك، ويقول أحدهم: هذا سر الشيخ وحاله، وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به.
كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم، كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب، وهو اليوم موجود في المشركين من الترك والهند وغيرهم.
وأعرف من ذلك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم، فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ودفعنا عنهم، ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم؛ ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ، فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين.
وهذا من أكبر الأسباب التي بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان، وكذلك المستغيثون من النصارى بشيوخهم الذين يسمونهم العلامس؛ يرون أيضاً من يأتي على صورة ذلك الشيخ النصراني الذي استغاثوا به فيقضي بعض حوائجهم.
وهؤلاء الذين يستغيثون بالأموات من الأنبياء والصالحين والشيوخ وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غاية أحدهم أن يجري له بعض هذه الأمور، أو يحكي لهم بعض هذه الأمور، فيظن أن ذلك كرامة وخرق عادة بسبب هذا العمل.
ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ الذي يشرك به ويستغيث به، فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أو سلاح أو غير ذلك مما يطلبه، فيظن ذلك كرامة لشيخه، وإنما ذلك كله من الشياطين.
وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان].
يدخل في مثل هذا ما يحصل لكثير من الناس قديماً وحديثاً، واليوم بدأ يشيع، وهو لجوء الناس إلى غير الأسباب الشرعية، كلجوئهم إلى الكهنة والعرافين والدجالين والسحرة، والرقاة الجهلة في دفع الأضرار وكشف الأمور الغائبة، أو في الاستشفاء من الأمراض وغيرها.
أقول: إن هذا الأمر يكثر فيه الدجل، بل غالب أبوابه من الدجل، ما عدا الرقية الشرعية الصحيحة السليمة، ويحدث فيه الابتلاء أيضاً والفتنة، إن الكثيرين ممن يلجئون إلى هذه الأساليب غير الشرعية قد يستفيدون، إما فائدة وهمية، وهو الغالب، وإما فائدة حقيقية؛ كأن يشفى بعض المرضى بسبب هذه الأنواع من الدجل والشعوذة وغيرها، وقد يدل على أمر يكشف به ضره أو تتبين به حاله كبعض السحر، أو بعض من يضرون الشخص أو العائن ونحو ذلك، يكون هذا فعلاً من قبل الشياطين من الجن، ومن قبل بعض البشر الذين يموهون على الناس، وقد ينتفع المحتاج أو الذي يلجأ إلى هؤلاء، إما في جلب نفع أو دفع ضر، ويظن أن هذا دليل المشروعية لما سلك، فيأخذ ينشر مثل هذه الأمور، ويعمل ما يسمى بدعاية لهؤلاء الذين يعملون هذه الأمور الممنوعة، فيتكدس الناس حوله.