اعلم أن الذين قالوا تنعقد اليمين به هنا لا يقصدون أنه مشروع، إنما قالوا: إنها تلزم، أي مثل النذر، فالنذر مكروه وقد يحرم لكنه يلزم الإنسان، فكذلك الذين قالوا بانعقاد اليمين في هذه الحال التي يحلف فيها بغير الله لا يقصدون أن اليمين مشروعة، لكن يقصدون أن الإنسان ألزم نفسه بشيء فلزمه مع أن اليمين بدعية، وهي إما محرمة وهو قول الجمهور وهو الصحيح، وإما مكروهة على أقل الأحوال.
ربما يرد تساؤل: وهو أن الذين قالوا: إنها مكروهة منهم أناس من علماء السلف قديماً أو حديثاً وإن كانوا قلة، فكيف عدلوا عن الحديث الصريح بأن الحلف بغير الله شرك؟
و صلى الله عليه وسلم أن لهم في هذا شبهات كثيرة، منها أنه ظن بعضهم أن مثل هذا الحديث منسوخ، وظنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من باب التأكيد، وأنه أقر بعض الأيمان عند الناس.
ومنهم من قال: إن الجمع بين النصوص يؤدي إلى تنزيل النهي من التحريم إلى الكراهة وهذا كله مرجوح؛ لأن الحلف بغير الله تعظيم لغير الله في أمر يعتبر من العقود العظيمة بين البشر، فكيف يكون عقد عظيم بين البشر بغير الله؟ هذا غير لائق، مما يدل على أن ظاهر الحديث التحريم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وصف الأمر بالشرك فأقل أحواله أنه بدعة أو كبيرة.
فأقول: هذا من باب التنبيه على عذر بعض الأئمة الذين قالوا بأنه مكروه، مع أنهم قلة وقولهم مرجوح، وتوجيههم للأدلة أيضاً مرجوح.